نشرت صحيفة "صندي تلغراف" تقريرا لمراسلتها جوسيه إنسور، حول المداهمات الأمنية التي تقوم بها القوات
العراقية في مدينة
الموصل، بذريعة محاربة
تنظيم الدولة وملاحقة أفراده.
وتقول إنسور إن "قوات الأمن العراقية تخوض حربا في الجزء الشرقي من مدينة الموصل، الذي أعلنت
القوات العراقية عن استعادته من تنظيم الدولة في شهر كانون الثاني/ يناير هذا العام، تختلف عن تلك التي تدور الآن في غرب الموصل، حيث إن هذا الجزء من المفترض أنه (تحرر) من الجهاديين، وعاد إلى سلطة الدولة العراقية، لكن الأمن ليس واثقا بالسكان، وستقرر هذه الحرب مستقبل المدينة".
ورافقت الكاتبة دورية تفتيش في حي الانتصار، الواقع جنوب شرق المدينة، وجلست إلى جانب رجل غطى وجه بقناع، وكان يرتدي زيا مدنيا، حيث أشار إلى نافذة بيت له بوابة حديدية، ما أدى إلى توقف السيارة بطريقة مفاجئة، وقال قائد الدورية الرائد سعد كمال إن الرجل الملثم هو مخبر في حيه، ولهذا لا يمكن الكشف عن هويته أو وجهه، وفي ثوان قليلة قفزت عناصر الأمن من العربة، وحاصرت البيت، فيما ركز القناصة بنادقهم على النوافذ العلوية من البيت، وعندما اتخذ عناصر الدورية المكونة من 15 شخصا مواقعهم، أعطى الرائد أوامره لمداهمة الباب الرئيسي، وبدأت النساء بالصراخ على المداهمين الذين أمسكوا أصغر أبناء العائلة من ياقة قميصه، واقتادوه معهم وسط احتجاجات أفراد من العائلة قائلين: "ليس من تنظيم الدولة، ولماذا جئتم إلى هنا، نرجوكم اتركوه"، لكن دون فائدة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الأمن قام بتفتيش البيت، والتأكد بأنه لا يحتوي على المتفجرات، وتم تقييد الشاب ورميه في السيارة قبل أن يسرع الفريق بحثا عن العنوان التالي، وفي هذه المرة لم يحصل صراخ أو عويل، اقتادوا الشاب الذي استسلم لقدره بهدوء".
وتورد الصحيفة أنه "في العنوان الثالث قام الأمن بالدخول إلى العائلة وهي تحضر للغداء، وجر اثنين من المطبخ، ولم يقاوما وظلا يصرخان بشكل متكرر قائلين: (نحن بريئان)، وعندما همس المخبر في إذن الضابط تم إخلاء سبيل الأخ الأصغر، وقال لهم إن الأخ المطلوب ليس في البيت، وقال المخبر إن هذا لم يقسم (البيعة) مثل الآخرين، وألقت الدورية القبض على أربعة رجال قيدوا من الخلف، وكان أحدهم ينزف من قدمه".
وتعلق إنسور قائلة إن "منظر عربة قوات الأمن أصبح شيئا عاديا ويعرفه سكان شرق الموصل، ففي كل أسبوع تقوم قوات الأمن الوطني بإلقاء القبض على ما بين 30 إلى 35 شخصا، وأصغرهم يبلغ من العمر 13 عاما، وأكبرهم في سن الـ70 عاما، وبعد أن يتم التحقيق معهم في مركز الأمن جنوب الموصل يتم تسليمهم لوزارة الداخلية، حيث تقرر دائرة مكافحة الإرهاب لاحقا فيما إن كانت الأدلة التي قدمها الأمن الوطني كافية لتقديمهم إلى المحاكم".
وينقل التقرير عن الرائد كمال، قوله: "نحن متأكدون 100% أنهم من تنظيم الدولة"، وأضاف: "لا نعتمد على مصدر واحد فقط، ولدينا على الأقل مصدران يؤكدان ما يقوله كل منهما"، مشيرا إلى أن بعض المعلومات تأتي من معتقلين يشتبه بعلاقتهم بتنظيم الدولة.
وتستدرك الصحيفة بأن معظم المعلومات تأتي من الجيران أو "المواطنين الحريصين"، لافتا إلى أنه تم وضع ملصقات عليها رقم الأمن القومي في انحاء شرق الموصل كلها، حيث يتلقى الأمن يوميا حوالي 250 مكالمة.
وتذكر الكاتبة أنه تم اتهام الأربعة المعتقلين بالعمل في ديوان الحسبة التابع للتنظيم، أو بأنهم تلقوا رواتب من الجهاديين، واتهم الأب والابن بأنهما وزعا مجلات تنظيم الدولة.
وتعلق إنسور قائلة إن "معظم الذين اعتقلهم الأمن هم من الصف الأدنى من المتعاطفين؛ لأن معظم قادة التنطيم ومقاتليه الكبار قتلوا أو فروا من المنطقة إلى سوريا قبل بداية الهجوم العسكري، وقام التنظيم خلال الفترة التي سيطر فيها على الموصل بعمليات تجنيد للأطفال، خاصة من حي الانتصار الفقير".
وتلفت الصحيفة إلى أن "الظروف التي تعيشها الموصل تشبه تلك التي كانت في عام 2004، فالوحدات العراقية التي كانت متمركزة في المدينة لم تحظ بدعم من السكان، فهذه الوحدات المكونة من الجنود الشيعة أصبحت مرتبطة بالتمييز ضد السنة، خاصة في ظل رئيس الوزراء نوري المالكي، ولعل شك أهل الموصل بالحكومة كان وراء قبولهم بحكم الجهاديين".
وينوه التقرير إلى أنه عندما سألت الكاتبة الملازم بلال هاني إن كانت الوسائل التي يتبعها الأمن الوطني ستؤدي إلى سخط السكان، فإنه هز رأسه قائلا: "في غرب المدينة تستطيع مشاهدة عدوك، أما هنا في الشرق فإن العدو مختبئ، ولا يمكننا فقط إزاحة الأوراق، لكن يجب أن نقتلعها من الجذور، وإلا لنمت النبتة المتعفنة مرة أخرى".
وتبين الكاتبة أن الأمن القومي يخشى أنه في حال عدم تحركه الآن، فإن الخلايا النائمة، التي تريد الاستفادة من الوضع المتقلب في المدينة ستزداد قوة.
وتختم "صندي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن الجزء الشرقي شهد سلسلة من التفجيرات التي كان الهدف منها منع عودة الحياة الطبيعية للمنطقة، وتأكيد أن التهديد الجهادي لا يزال موجودا، ففي كانون الأول/ ديسمبر قتل 20 شخصا في تفجير سيارة انتحارية أثناء تجمعهم في سوق عام، وفي الشهر الماضي فجر انتحاري نفسه في مدخل مطعم شعبي، وقتل صاحب المطعم وعددا من العاملين فيه.