هل تستطيع مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي ان تلعب دورا مهما وفاعلا في الصراعات السياسية اليوم؟ وهل يمكن لهذه المواقع ان تساهم في تغيير القرارات السياسية وان تفرض على الاحزاب والقوى السياسية والجهات الرسمية ان تغير في ادائها وان تأخذ في الاعتبار مواقف الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني؟
هذه الاسئلة وغيرها حول دور مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني في العمل السياسي، اعيد طرحها والحديث عنها في لبنان في الايام القليلة الماضية، وذلك على ضوء التطورات التي حصلت مؤخرا احتجاجا على سياسات الحكومة اللبنانية لفرض ضرائب جديدة لتمويل الموازنة وكذلك احتجاجا على سياسات الحكومة المالية والاجتماعية والاقتصادية.
ففيما كان البرلمان اللبناني يناقش سلسلة الرواتب الجديدة ويبحث في فرض ضرائب جديدة على المواطنين والمؤسسات الاقتصادية والمصارف، شنت حملة اعلامية وشعبية قوية على سياسات الحكومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال بعض وسائل الاعلام التقليدية، ودعت بعض الاحزاب السياسية ومؤسسات من المجتمع المدني والنقابات الى تحركات شعبية واسعة احتجاجا على سياسات الحكومة والضرائب الجديدة التي سيتم فرضها.
ورغم ان هناك الكثير من الملاحظات على صحة المعلومات التي نشرت حول الضرائب المقترحة، وما كان يجري في البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء من مناقشات حول سلسلة الرواتب والموازنة الجديدة، فقد ادت الحملة الاعلامية والتحركات الشعبية التي جرت الى وقف المناقشات الجارية في البرلمان والى قيام عدد من المسؤولين والوزراء والقيادات السياسية لتوضيح حقيقة الضرائب التي ستفرض والى نفي فرض ضرائب جديدة على الفئات الشعبية والتأكيد ان الضرائب المقترحة ستطال فقط المصارف وبعض الشركات العقارية واصحاب الدخل العالي.
واوضح المسؤولون اللبنانيون ان هناك جهات مالية ومصرفية تقف وراء الحملة ضد الموازنة الجديدة وما يجري الحديث عنه من ضرائب، لان السياسات المالية ستطال اصحاب بعض الشركات المالية.
وعمد رئيس الوزراء اللبناني الشيخ سعد الحريري للنزول الى الشارع لمخاطبة المتظاهرين وتوضيح الامور وقد تعرض من جراء ذلك الى رشق المتظاهرين له بقناني الماء الفارغة، كما عقد وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة في مجلس النواب ابراهيم كنعان وبعض القيادات السياسة مؤتمرات صحافية لتوضيح ما يجري من مناقشات.
ومن خلال ما جرى من تطورات في لبنان في الايام القليلة الماضية، يمكن للمراقب ان يستنتج حجم الدور والفاعلية لمواقع التواصل الاجتماعي وعدد من مؤسسات المجتمع المدني في الواقع السياسي ، ومع ان الجهات الحزبية والسياسية التي كانت تدعم هذه التحركات الاعلامية والشعبية لا تعتبر من القوى الكبيرة الفاعلة في الواقع السياسي اللبناني، فان نجاح هذه التحركات وتأثيرها على القيادات والمسؤولين يكشف عن مدى امكانية الاستفادة من الاعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي في تحريك الاوساط الشعبية وانه ليس بالضرورة ان تقتصر التحركات على الاحزاب السياسية التقليدية.
وقد يقول قائل: ان لبنان يتمتع بخصوصيات معينة على صعيد الحريات الاعلامية والشعبية وان حجم القمع فيه لا يعادل ما يجري في دول عربية واسلامية اخرى. مع انه خلال التحركات الشعبية التي جرت قبل حوالي العام ونصف تعرض المحتجون ،الذين كانوا يعارضون سياسات الحكومة بشأن ازمة النفايات في لبنان، الى قمع شديد من الاجهزة الامنية والعسكرية ومن مؤيدي بعض المسؤولين اللبنانيين، لكنهم مع ذلك نحجوا في تغيير خطط الحكومة بشأن معالجة النفايات.
والخلاصة التي اود الاشارة اليها، انه يوما بعد يوما يزداد دور مواقع التواصل الاجتماعي والاعلام الجديد ومؤسسات المجتمع المدني في الصراعات السياسية وفي عملية التغيير السياسي ، وان على المعنيين في الشأن العام والناشطين السياسيين الاخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات على صعيد خططهم وعملهم في الشأن السياسي العام.
واذا كان لبنان، الذي يتميز باجواء طائفية ومذهبية قوية والنظام اللبناني يتمتع بقوة غير عادية وهو عصي على التغيير السياسي، بدأ يشهد تغيرات عملية وواقعية في العمل السياسي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني، فان ذلك يشكل اشارة ايجابية ولو محدودة لامكانية الاستفادة من هذه المتغيرات في مواجهة الازمات التي تواجهها الدول العربية وعلينا متابعة مراقبة تطور دور هذه وسائل الاعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعية في العمل السياسي لانها قد تفتح الباب امامنا لاحداث تغيير ما في العمل السياسي في المستقبل وقد تساهم في بلورة افاق وادوار جديدة للاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.