كتاب عربي 21

الإسلاميون المشارقة والمغاربة

1300x600
عندما كلف الملك المغربي السياسي والمفكر سعد الدين العثماني بتشكيل الحكومة، قفزت إلى الذهن مباشرة مفارقة المشهد بين الإسلاميين في المغرب العربي وفي مشرقه، وأيضا الحكومات هنا وهناك.

تحتفظ الحركة الإسلامية المغاربية برصيد كبير في القمع كغيرها من دول المنطقة المنكوبة، لكن القمع لم يستدعِ الانغلاق الفكري والمبادرة السياسية الجريئة عند وجود فرصة لها، وهو ما ميّزهم هناك وعابهم هنا، إذ النظر إلى أسماء أبرز قيادات الحركة السياسية الإسلامية المغاربية يعطي الانطباع بحجم الثقافة والإدراك اللذان يتشكلان هناك.

ففي تونس نحن أمام راشد الغنوشي المفكر والسياسي الذي وضع أطروحات فكرية تدل على عمق الثقافة والبحث، حتى إن اختلف البعض مع جزء منها، وهو السياسي الذي ساهم في الحفاظ على مجتمعه وتجربته من الانزلاق كباقي تجارب وثورات الربيع العربي، وأصبحت حركته بعد العودة من المنافي ملء السمع والبصر في بلده، وأصبحت أطروحاته وتجربته السياسية النموذج الوحيد الباقي في المنطقة.

وفي المغرب نرى سعد الدين العثماني الذي ألف في السياسة والفقه وفقه الدعوة كذلك بشكل معمّق ووثيق الصلة بالانضباط العلمي والبحثي، وكذلك يقوم مع حركته بمحاولة جادة لإصلاح دولته بهدوء وبطء دون الدخول في صدامات الحماقة كما جرى هنا، صحيح أن هناك ما قد يؤاخذون عليه في مواقفهم السياسية لكن تبقى حسناتهم أغزر بكثير من سيئاتهم.

هذا الوعي أو الإدراك منشؤه الثقافة والتربية التي يتربى عليها أبناء الحركات السياسية الإسلامية هناك، وربما يتصل أيضا بانضباط المنهجية الدينية المذهبية، والمنهجية المذهبية لا تعني الجمود بل تعني الانضباط العلمي في التعامل مع مسائل علمية، والتجديد وفقا للقواعد العلمية.

أذكر أن أستاذنا الكبير د. هشام الحمامي حكى ذات مرة عن زيارته لحزب العدالة والتنمية المغربي أثناء انعقاد جلسة للمكتب السياسي، وحضر جزءا من المناقشات التي دارت قبيل البدء في الاجتماع، فكان النقاش بين أعضائه حول ما قدمته المجلات الثقافية العربية من إسهام فكري شارك في التنشئة الثقافية للشباب العربي وهم استفادوا منها في تكوينهم الثقافي كالهلال المصرية والعربي الكويتية، لينتقل الحديث بعدها عن مؤسسها الراحل أحمد زكي أستاذ الكيمياء والمثقف العروبي الذي رأس تحرير واحدة من أهم المجلات الثقافية في الوطن العربي، وتطرق النقاش إلى المفكرين العروبيين - الإسلاميين كزكي وعزيز المصري وعبد الرحمن باشا عزام وغيرهم، ورغم إسهاماتهم لم يستفد الإسلاميون منهم، ثم انتقلوا بعد ذلك للحديث عن ميشيل فوكو وألتوسير الفرنسيان وكيف فشلوا في تطوير اليسار بنزع البعد الإنساني عن الماركسية وصدام جارودي معهما.

كل ذلك يحكيه د. هشام عن نقاش عرضي لم تحدد موضوعاته مسبقا "دردشة" كما نقول باللغة العامية، فهذه الثقافة هي التي أفرزت حركة إسلامية واعية، وبالطبع هي مؤشر لحيوية المجتمع كله، فهم ليسوا معزولين عن باقي تكويناته الأهلية والرسمية.

إذا يمّمنا النظرللمشرق العربي سنجد أن أستاذا كفهمي هويدي يُحكى أن كتبه كانت تُمنع من التداول بين أبناء الحركة الإسلامية الأكبر في مصر حتى الثمانينيات تقريبا، وأن قادتها ومرشديها لم يقدموا إسهاما فكريا أخذ مكانه في الثقافة العربية والإسلامية، إلا أن هناك تفاوتا بالطبع بين حركتهم السياسية فمنهم من كان أداؤه مناسبا لمرحلته ومنهم من لم يكن كذلك، ولا يختلف الحال عن الأردن وفلسطين والخليج العربي عن مصر في تقديم الإسهامات الفكرية في العقود الأخيرة.

إن الممارسات السياسية والاجتماعية لا تجري بمعزل عن التنشئة الثقافية، وبقدر تشعّب الثقافة والمشارب ورجاحة عقل المتلقي لهذا التشعب والتنوع، نجد أثر ذلك في التحليل والممارسة، وإذا غابت الثقافة فسيغيب معها الكثير من مقومات النجاح أو الترقي، ولا ينبغي أن تغريَ الانتصارات المؤقتة والمكاسب اللحظية محرزوها عن الخلل، كما لم تتسبب الانهزامات المؤقتة للمغاربة في الانجراف نحو ممارسة تؤدي إلى انهيار كامل.

رجاؤنا أن يُوفّق رئيس الوزراء المغربي في مهمته، وأن تُحفظ لتونس تجربتها، وأن يُنعم الله بالفضل على باقي المنطقة لتتخلص من نكبتها.