القمة العربية.. حضور كبير وتنازلات أكثر

وصف البعض القمة العربية الـ28 المنعقدة في البحر الميت في الأردن بأنها "قمة الحضور" إذ سيحضرها 17 زعيما عربيا على عكس قمة نواكشوط التي حضرها سبعة قادة فقط!!

ولكن التسمية الأصح لهذه القمة هي: قمة الحل الإقليمي مع إسرائيل. فقد اجتمع وزراء خارجية الدول المشاركة وحددوا مشاريع القرارات للقمة التي ستبحث طيفا واسعا من القضايا على رأسها القضية الفلسطينية. ولكن الملفت للانتباه أن أهم قرار متوقع هو ذلك الذي يتعامل مع حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام بتعديلهما ليتناسبا مع مطالب إسرائيل بالحل الإقليمي.

وقد سبق لبعض العرب أن وافق على هذا الحل، حيث سعت الرباعية العربية للضغط على السلطة الفلسطينية للقبول به.

ونستذكر في هذا السياق اللقاء السري الذي جرى في العقبة العام الماضي وجمع كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ولكنه حسب الصحافة العبرية لم يفض إلى نتيجة رغم أن الدول العربية عرضت التطبيع بمجرد استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. 

وحسب المعلق السياسي لصحيفة هآرتس براك رفيد، فقد وافق نتنياهو على تقديم تسهيلات للفلسطينيين للبناء في مناطق "ج" (الواقعة تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية) بالضفة الغربية وتجميد الاستيطان في المستوطنات النائية التي تقع في أقاصي الضفة الغربية مع إطلاق يد إسرائيل للبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى مقابل التزام الدول العربية بالاعتراف بيهودية إسرائيل، مع طلب التزام أميركي بإحباط أي تحرك ضد إسرائيل في المحافل الدولية!

سلام إقليمي

وفي سياق تقديم هذا الحل، حرص نتنياهو على إظهار أن العديد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدوا لها، في محاولة منه للفت الانتباه عن الصراع العربي الإسرائيلي متعللا بأن التنظيمات المتطرفة مثل داعش أصبحت هي الخطر الأكبر على الدول العربية وليس إسرائيل. ومن هذا المنطلق، وفي ضوء تحالفه مع اليمين المتشدد الذي يرفض تقديم أي استحقاق في القدس والمستوطنات في إطار أية عملية سلام، لجأ نتنياهو إلى التشدد تجاه المطالب بعودة المفاوضات، وفرض شروط إضافية أهمها غض الطرف عن الاستيطان. وقد حاول نتنياهو من قبل القول إن السلام سيتحقق بالطريقة المعاكسة، أي بالسلام مع العرب ثم مع الفلسطينيين متوجها بذلك إلى بعض الأنظمة العربية المهزومة سياسيا ونفسيا متناسيا أن لب الصراع هو القضية الفلسطينية وأن ما يتحدث به أوهام لا تقود إلا للتطبيع بدون سلام حقيقي في ظل الموقف الإسرائيلي المتشدد.

كلام بدون فعل

وكرر نتنياهو دعوة السلام الإقليمي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، حينما قال: "أنا لم أتنازل عن السلام، ما زلت ملتزماً بفكرة السلام القائم على دولتين للشعبين. أؤمن بأن التغييرات الجارية في العالم العربي تحمل في طياتها فرصة فريدة من نوعها لدفع السلام. وأنا أثني على الجهود التي يبذلها الرئيس المصري السيسي لدفع السلام في منطقتنا. إسرائيل ترحّب بروح مبادرة السلام العربية، وتتقبّل بترحاب حواراً مع دول عربية لدفع سلام أوسع". 

إلا أن هذه المبادرة لم تطرح حلا يسهل انعقاد هذه المباحثات رغم موافقة الرباعية العربية على مبدأ السلام الإقليمي.

ويزداد التشدد الإسرائيلي برفض وقف الاستيطان متزامنا مع رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لحل الدولتين وموافقته على ما يتفق عليه الفلسطينيون وإسرائيل بدلا من ذلك، خصوصا أن اتفاق أوسلو المشؤوم لم يتحدث صراحة عن هذه الدولتين وترك إطار الحل النهائي رهنا لما يتم التوافق عليه بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

والخلاصة أن نتنياهو لا يريد أن يقدم أي استحقاقات للعرب والفلسطينيين طالما رأى أنهم محتاجون إليه في المعركة على الإرهاب ومحاربة إيران.

ومع كل هذا التشدد الإسرائيلي، فإن الدول العربية لا تزال متمسكة بما يسمى حل الدولتين وإن كان هذا الحل مؤجلا ويأتي حسب نتنياهو كثمرة للتطبيع.

قمة للتنازلات

ويأتي اجتماع الجامعة العربية ليشكل ضغطا على السلطة الفلسطينية للقبول بالسلام الإقليمي ومقدمة لتعديل مبادرة السلام العربية لتتوافق مع مطالب الحل الإقليمي لنتنياهو حتى مع شروطه المتشددة فيها.

ومن أهم التنازلات المطلوبة من القيادة الفلسطينية الاعتراف بيهودية إسرائيل وإطلاق يد إسرائيل في الاستيطان، وهو ما يشكل هدرا للحقوق الفلسطينية وضربة جديدة للسلطة الفلسطينية التي سبق وقدمت تنازلات كبيرة للعدو في اتفاق أوسلو وما بعده.

صحيح أن برنامج القمة العربية مثقل بالقضايا خصوصا تلك التي تتعلق بأزمتي سوريا واليمن ومواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، إلا أن القضية الفلسطينية تظل في سلم الأولويات، وهذه المرة لأنها تشكل مدخلا للتفاهم مع العدو في مواجهة إيران باعتبار أن الدول العربية باتت ترى إيران وليس إسرائيل العدو الحقيقي لها، كما انها تسعى لمحاصرة الإسلام السياسي في بلدانها ومنع حماس من التأثير الإيجابي فيه عبر نجاحاتها في مواجهة إسرائيل، الأمر الذي يجعلها في المهداف العربي بعد الاتفاق مع إسرائيل على التسوية الإقليمية.

غير أن تشدد إسرائيل ومحاولة استدراجها لمزيد من التنازلات العربية، تصعب من عملية التوصل للحل الإقليمي خاصة وأن الولايات المتحدة تدعم توصل الطرفين العربي والإسرائيلي إلى حل دون تدخل منها.

ولذلك ستمر هذه القمة كما مر غيرها دون تحقيق إنجاز حقيقي للأمة لا في فلسطين ولا في سوريا أو اليمن، طالما أن الدول العربية ظلت مشتتة وخاضعة للضغوط الأمريكية.