بين مفهومي "
الدولة الدينية" و"الدولة
العلمانية" كثير من الجدل، استغرق مساحات واسعة من النقاش والبحث والكتابة. وفي الوقت الذي وصل إليه البحث باعتبار "الدولة الدينية" مناقض لمفهوم
الدولة المدنية، تبرز "الدولة العلمانية" كمفهوم ينطوي على كثير من الجدل أيضا في المنطق العربية.
وفي هذا السياق، يعتبر القيادي الإسلامي الأردني، سالم الفلاحات، أن العلمانية، بفتح العين أو بكسرها، "مصطلح عائم غير محدد، كالإرهاب"، وأن "له تطبيقاته المتباينة جداً في الأنظمة العالمية".
علمانيون بلا علمنة
وقال الفلاحات، في حديث لـ"
عربي21"، إن هنالك "نمطا من العلمانية يمكن تسميتها بالحيادية أو السلبية أو الناعمة، كما في الهند التي تحكم المسلمين والمسيحيين والهندوس ومئات الأديان والملل والنحل، دون أن تجعل نظام الحكم هندوسيا بحكم الأغلبية".
ويرى أن علمانية أتاتورك هي الأسوأ منذ عام 1924، لكنها لم تستطع الصمود طويلا، كما هو حال علمانية ألبانيا وبورقيبة والشاه "الإقصائية".
ويقول الفلاحات إن العلمانية العربية أو التي يروج لها البعض، "إقصائية شمولية تحارب الدين وتسخر منه، وتمنع الإسلامي حتى لو جاء بالانتخاب"، واصفا هذه الحالة العربية بـ"علمانيون بلا علمنة"، على حد وصفه.
وينظر الفلاحات إلى الأنظمة العربية الحالية باعتبارها "أقرب لحكم الفرد أو العائلة أو القبيلة الشمولي الدكتاتوري، مهما اختلفت أشكالها ومظاهرها، وما يكتب في دساتيرها، فهي ليست مدنية ولا إسلامية ولا علمانية، وإن كانت متفاوتة"، مضيفا: "بعض الشر أهون من بعض".
ووضع الفلاحات المواطنة كمحدد رئيس في سياق الحديث عن الدولة العلمانية، "باعتبارها حقا مكتسبا لمن يعيش على أرض الدولة بانتماء، فإن تحقق هذا بالعلمانية فلا مشاحة فيه"، لكنه يلفت إلى أن الإسلام، باعتباره دين الأغلبية في الوطن العربي ومرجعية اجتماعية وثقافية للعرب، "لا يمكن أن تتحكم علمانية إقصائية فيه"، كما يقول.
ويذهب إلى أن "العلمانية الحيادية السلبية" أو "الناعمة" من مكملات ومستلزمات النظام الديمقراطي، معتبرا أنها "دولة المستقبل العربية، وستكون مقبولة وقائمة ومحصلة للحراك، على حساب العلمانية الإقصائية والدولة الدينية، والحكم الشمولي والفردي والدكتاتوري".
التحولات العربية تفرض العلمانية
من جانبه، يؤكد الباحث حسني عايش، أن الدولة العربية العلمانية، ستتحقق يوما ما، "حين يكون العرب والمسلمون قد مروا بكافة التجارب الفاشلة"، معتبرا أن هذا "الرصيد من التجارب الفاشلة سيقود العرب لاحترام العلمانية"، وفق تقديره.
وقال في حديث لـ"
عربي21" إن انتشار العرب والمسلمين في أوروبا وأمريكا تحقق بفعل وجود "دولة علمانية"، ومن منطلقات القيم العلمانية التي رسخها الغرب نظريا وممارسة.
ويرى عايش أن العرب، بما يمرون به من تحولات قاسية، ستفرض عليهم البحث عن "قيم علمانية توافقية وتشاركية"، وقال إن الدولة التي تعاني اليوم من أزمات طاحنة هي أقرب الدول العربية لتحقيق نموذج الدولة العلمانية فيها، معتبرا أن المجتمع في سوريا والعراق واليمن وليبيا ينادي بذلك، أما الحرب، فلن تستمر إلى الأبد.
وشدد على أن من "الإنصاف توضيح أبعاد هذه الدولة من خلال أسسها القائمة على ضمان حرية الاعتقاد أو الدين لجميع المواطنين"، وأن مهمة النظام أو الدولة المحافظة على هذه الحرية، "حيث يتمتع الجميع بأقصى درجات الأمن والأمان في أديانهم ومعتقداتهم وطقوسهم وآرائهم".
ويعتبر عايش أن "الدولة العلمانية لا ينغمس فيها نظام الحكم في الشؤون الدينية، مقابل ألا يتم تسييس الدين أو تديين السياسة"، وقال إن "الدولة العلمانية دولة حرية بطبيعتها، تجعل المجتمع موحدا والمصالح المشتركة قوية ومزدهرة"، على حد قوله.
ورأى أنه في هذا الراهن العربي لا توجد دولة عربية علمانية، إلا أنه يستثني لبنان، "بالرغم من كل الشد والجذب السياسي الحاصل فيه"، مشيرا إلى محاولات الجزائر والمغرب للتحول للعلمانية، لكنه تحول بطيء، كما يقول.
الممارسة الديمقراطية شرط العلمانية
وحول ما إذا كانت "العلمانية" أيديولوجيا، كما هو الأمر في توصيف "الإسلامية"، وما إذا كان جائزا للعلمانية أن تسعى لتشكيل دولتها العربية غير الناجزة، فيما يحرم على "الإسلامية" هذا السعي، نفى الباحث الشيوعي منير حمارنة، أن تكون "العلمانية" أيديولوجيا، معتبرا أنها نظام حكم، يستند في مرجعيته إلى الرؤية الوضعية، وليس الدينية.
وقال في حديث لـ"
عربي21" إن الدولة العلمانية العربية، ممكنة التحقق في مختلف المجتمعات، "ما دامت تستند إلى الطابع الديمقراطي على مستوى النظرية والممارسة"، تاركا مجالا للتساؤل حول مستوى الممارسة الديمقراطية التي تتبناها الدول العربية، في طريقها نحو إمكانية خلق وإقامة دولة علمانية.
وألمح حمارنة إلى أن التحدي الذي يواجه الحديث عن "الدولة العلمانية"؛ هو الميول الدينية الكبيرة والدعوة للحديث عن "دولة دينية"، الأمر الذي برز من خلاله موقف من العلمانية من خلال التساؤل فيما تعتبر دولة لا دينية أم وضعية.
وحول السؤال عن وجود نظام عربي مؤهل وقادر على تحمل تبعات قيام وإدارة دولة علمانية، يردّ حمارنة، محاولا فيما يبدو أن يؤجل الحديث عن الموضوع أو الإجابة بطريقة غير مباشرة، قائلا: "لنؤجل الحديث عن هذا لما بعد القمة العربية في البحر الميت حيث يجتمع الزعماء العرب".