قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، الأحد، مجددا ببطلان حكم قضائي أوقف نقل تبعية جزيرتي (
تيران وصنافير) بالبحر الأحمر إلى
السعودية، وسط انتقادات قانونية بعدم اختصاص المحكمة، وحالة غضب
مصرية وتوقعات بعودة التظاهرات الرافضة للاتفاقية مع السعودية.
وكانت مصر والسعودية قد وقعتا في نيسان/أبريل 2016، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية نقلت تبعية الجزيرتين الواقعتين في مدخل خليج العقبة إلى الرياض.
وفي 16 تشرين الثاني/يناير الماضي، أصدر القضاء الإداري (الدرجة الأولى في مجلس الدولة) حكما نهائيا باستمرار السيادة المصرية على الجزيرتين وهو الحكم الذي جددت محكمة الأمور المستعجلة (الأقل درجة) الحكم ببطلانه الأحد.
جدل تيران وصنافير
ويأتي هذا الحكم بعد أيام على لقاء قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، والملك سلمان بن عبد العزيز، في القمة العربية التي أقيمت في الأردن قبل أيام، وذلك في أحدث تطور على صعيد الملف، الذي سبب الكثير من الجدل والتجاذب الدبلوماسي بين البلدين.
وكانت الرياض، أكبر داعم للسيسي، قائد الجيش السابق الذي انقلب على الرئيس محمد مرسي منتصف 2013؛ قد ضخت مليارات الدولارات لدعم اقتصاد مصر المنهك، إلا أن الخلاف حول بعض الملفات الإقليمية وخاصة سوريا، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين.
وكانت اتفاقية تيران وصنافير أثارت احتجاجات وتظاهرات غير مسبوقة ضد السيسي قمعتها الأجهزة الأمنية، وصدرت أحكام بالسجن تراوحت بين سنتين وخمس سنوات بحق 152 متظاهرا، وغرامة مالية قدرها مئة ألف جنيه (نحو خمسة آلاف دولار) ضد كل متظاهر لإخلاء سبيلهم.
كما أثارت الاتفاقية جدلا قانونيا بعد إحالتها إلى البرلمان للتصديق عليها في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي.
احتمالات التسليم
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، محمد منير، أشار لاحتمالات تسليم النظام الجزيرتين إلى السعودية، وقال "مصر دولة خبيرة فى آليات التطبيع مع الاحتلال، وبدأت إجراءات التطبيع مع السعودية لتيران وصنافير؛ بأن جعلت تغطية شبكات المحمول المصرية تقف عند حدود ما قبل الجزيرتين وتتحول إلى تغطية دولية على الجزيرتين، فيما قامت شبكات المحمول السعودية بالتغطية المحلية فوق الجزيرتين"، حسب قوله.
وانتقد منير في حديثه لـ"عربي21"، ما أسماه بحالة الجدل حول قانونية وشرعية الأحكام الخاصة بتيران وصنافير، وقال "الاحتلال ليس له شرعية ولا يتم مواجهته بالقانون، ويجب أن نعترف أنه احتلال ونحدد طريقة التعامل معه" في إشارة للحكم العسكري في مصر.
على طريق مبارك
وفي تعليقه على الحكم الجديد، قال رئيس اللجنة القانونية في حزب الحرية والعدالة المحامي مختار العشري، "أولا محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة ببحث قانونية الإتفاق حول تيران وصنافير"، مضيفا "هذا أمر موضوعي لا تختص به محكمة مستعجلة"، موضحا أن "قرارات الحكومة لا يطعن عليها إلا أمام (مجلس الدولة) وليس القضاء العادي".
وفي حديثه لـ"عربي 21"، أكد العشري "أن الحكومات المتعاقبة أيام مبارك والنظام العسكري الحالي دأبت على استخدام (الأمور المستعجلة)، والتي يرأسها قاضي جزئي في الغالب لا يتعدى عمره (35) سنة، ولا تتعدى خبرته في القضاء العام أو العامين، ولا يستطيع الوقوف أمام جبروت العسكر".
وأشار المحامي المصري إلى ما أسماه "تطلع بعض القضاة الصغار للصعود الصاروخي في السلك القضائي، والحصول على إمتيازات"، مضيفا "قد تكون نزواتهم تحت سيطرة وسمع وبصر الجهات الأمنية، ويتم تهديدهم بها".
وتحدث بسخرية عن إحتمال أن يكون القاضي من "حركة تمرد أو تحيا ماسر أو خلافه، بما يمكن به السيطرة عليه، مضيفا "وغالبا يأتيه الحكم من الجهات الأمنية للتوقيع عليه فقط دون نظر في الأسباب أو المنطوق".
وحول احتمالات أن تكون مصر قد سلمت الجزرتين فعلا للسعودية، قال العشري "لا علم عندي"، مستدركا "ولكن هو أمر ليس بمستغرب على من باع نفسه ووطنه أن يفعل ذلك"، في إشارة للسيسي.
من أعمال السيادة وغير ملزمة
من جانبه أكد أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق، الدكتور السيد أبو الخير، أن "القضاء (إداري ومدني) غير مختص بالنظر فى أمر الاتفاقية لأنها تعتبر عملا من أعمال السيادة التى تخرج عن أعمال القضاء".
وقال أبو الخير لـ"عربي 21"، "وترتيبا على ذلك فإن محكمة (الأمور المستعجلة) غير مختصة بهذا الأمر كلية"، مضيفا "أن الاتفاقية باطلة طبقا للدستور لأنها بمثابة تفريط في أرض الوطن ولذلك فهى جريمة خيانة عظمى".
وأضاف أبو الخير أن "اللجوء للقضاء حيلة اتبعتها سلطة الانقلاب؛ لمنح الاتفاقية المنعدمة طبقا للقانون الدستوري، والقانون الدولي، والقضاء الدولي؛ شرعية بحكم أقل ما يقال فيه أنه منعدم ولا يرتب عليه أي أثر قانونى، بل هو باطل بطلانا مطلقا".
وأوضح الخبير القانوني، أن "اتفاقية تيران وصنافير منعدمة طبقا للقانون الدستوري ولدستور عام 2012 الشرعي؛ ونص المادة (145) يقول (يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلسي النواب والشورى، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها؛ وفقا للأوضاع المقررة".
وأضاف أبو الخير أن الاتفاقية منعدمة طبقا للقانون الدولي، والقضاء الدولي، لأن "مبرم الاتفاقية (سلطة الانقلاب) مغتصب سلطة؛ وطبقا لنظرية الدين المقيت الثابتة فى القانون والقضاء الدوليين فإن كافة أعمال الحكومية غير الشرعية منعدمة قانونا ولا تلزم الشعب بأى التزامات ولا ترتب فى حقه أي أثر قانوني".
مساخر ومهازل
ووصف الكاتب السياسي، صلاح الإمام، حكم الأمور المستعجلة بـ"سُبة جديدة وكبيرة جدا فى جبين القضاء المصري"، واعتبر "أن تصدي تلك المحكمة لقضية نظرها مستشارون فحول، وإصدارها حكما يجهض حكمهم؛ تجاوز لحدود الهزل"، متسائلا "ما كل هذه المساخر والمهازل؟".
وأوضح الإمام لـ"عربي21"، أن "محكمة (القضاء الإداري) التي أصدرت حكم بطلان الاتفاقية تتشكل من ثلاثة مستشارين خبرتهم لا تقل عن 35 سنة بالقضاء، وصدر الحكم بعد تقرير من (هيئة المفوضين) المكونة من قضاة كبار، ثم أيدت الحكم (الإدارية العليا) والتى تتشكل من هيئة مهيبة من القضاة لايقل عددهم عن خمسة".
وأضاف الإمام "أما محكمة (الأمور المستعجلة) فتتشكل من قاضى واحد حديث العمل بالقضاء، ولا تتدخل المحكمة فى أصل النزاع، بل تصدر أحكاما وقتية إلى أن يقوم القضاء العادى بنظر النزاع، كأن تأمر بوقف بناء جدار أو إزالته، أو انتقال موظف عمومى لمستشفى لسماع شهادة شاهد يحتضر، وهكذا".
وأشار الإمام إلى "أن هناك نصوصا قانونية قاطعة، ومبادى عامة لا يجوز مطلقا مخالفتها؛ تنص على عدم نظر أى نزاع بعد صدور حكم نهائى بحقه من أى هيئة قضائية".
وأكد أن "الأمور المستعجلة تنتمي للقضاء العادي، ولا ولاية لها على أحكام مجلس الدولة، مؤكدا أن "مجرد قبول دعوى تيران وصنافير أمامها يعد تصرفا باطلا وما حدث بـ"هزل فاق المسرح الكوميدي".