وسط غضب شعبي متنام على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصوات تحذيرية متصاعدة من عمق مجتمع المال والأعمال السعودي، تتجه المملكة العربية
السعودية بقوة، خلال الأشهر القليلة القادمة، نحو إنهاء
الطرح العام الأولي لبيع 5% من أسهم في شركة النفط الوطنية العملاقة، والأكبر عالميا في مجال النفط "
أرامكو".
ويحظى الحديث عن طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام باهتمام دولي كبير، على المستويات الرسمية وغير الرسمية، باعتباره طرحا ليس عاديا، والتي وصفته وكالة "بلومبرج" الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، بأنه أضخم اكتتاب في التاريخ، ويتفوق على قيمة أكبر اكتتاب مسجلة حاليا بأربعة أضعاف.
وتتهافت
البورصات العالمية، الغربية والآسيوية، بوساطات وإغراءات حكومية تخطب الود السعودي، للفوز بقطعة من كعكة "أرامكو"، والاستحواذ على الإدراج الذي تقدر قيمته بواقع 100 مليار دولار.
وساطات حكومية
وعرضت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، استثمارات في بريطانيا على رئيس صندوق سيادي سعودي أمس الأربعاء في إطار زيارتها الرسمية الأولى للمملكة. – بحسب رويترز-.
وقالت صحيفة التلغراف البريطانية، إن ماي عقدت اجتماعا مساء الثلاثاء، مع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، في دلالة على أن اكتتاب أرامكو يعد أحد محاور هذه الزيارة خاصة وأن الرئيس التنفيذي لبورصة لندن، كزافييه روليه، يرافقها في هذه الزيارة.
وأعلن، نائب كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، كوتارو نوجامي، في وقت سابق للصحفيين، أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، طلب من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، خلال زيارة الأخير إلى اليابان في إطار جولته الآسيوية الأخيرة، دعم إدراج أسهم "أرامكو" في بورصة طوكيو، مؤكدا أن الملك سلمان وعد آبي بأن المملكة ستنظر في الطلب، وتمنى أن يشتري المستثمرون اليابانيون أسهم أرامكو.
وتصدرت، خلال الأسابيع الماضية، قائمة الأكثر تداولا، وسوم سعودية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، معارضة لبيع شركة أرامكو، أبرزها وسم
#الشعب_يعارض_بيع_ارامكو، ووسم
#محمد_باع_الدجاجة ( ووصف البعض "أرامكو" بأنها الدجاجة التي تبيض ذهبا للمملكة).
إقرأ أيضا: سعوديون يصرخون: نتوسل إليكم لا تبيعوا "أرامكو"
واختارت الحكومة السعودية، بنوك جي بي مورجان شيس أند كو، ومورجان ستانلي، وإتش إس بي سي، لتلعب الدور الأساسي في عملية الطرح العام المبدئي لأسهم "أرامكو".
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي، بفيديوهات، وآراء متباينة، تنوعت بين الرفض القاطع لبيع أسهم "أرامكو"، ومهاجمة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بوصفه مهندس الصفقة –على حد تعبيرهم-، وبين آراء مؤيدة ترى أن طرح أسهم أرامكو بالبورصة سيدعم الاستثمار، وآراء أخرى تستبعد إتمام عملية الاكتتاب.
تقديرات متفاوته
وقدّرت الحكومة السعودية قيمة أصول شركة أرامكو بنحو تريليوني دولار، غير أن شركة الاستشارات النفطية "وود ماكنزي" شككت في هذا الرقم، وقدرت قيمتها بنحو 400 مليار دولار فقط.
وتنبأ مقياس "ستاندارد أند بورز" بأن تصل المديونية السعودية بحلول عام 2018 إلى 174.3 مليار دولار، موضحا أن السعودية إذا تمكنت من جمع ما مقداره 100 مليون دولار عبر بيع 5% من أسهم شركة أرامكو مستخدمة تقييمها الذي بلغ تريليوني دولار، فإن ذلك سيساعد كثيرا في سد فجوة الميزانية العامة لها، أما إذا كان الرقم حقيقة أقرب لما قدرته شركة “ماكنزي”، فإن الحكومة ستحصل على 20 مليار فقط من هذه العملية تقريبا.
وتداول رواد "التواصل الاجتماعي"، فيديو لرجل الأعمال السعودي، وقطب صناعة المجوهرات الشهير، جميل فارسي، يدعو فيه الحكومة السعودية إلى التخلي عن خطط بيع أسهم "أرامكو"، ويناشد وزير الاستثمار ماجد القصبي، قائلا: "أنا والله ما أعرف في الاقتصاد أي شيء لكن أتوسل إليك وأرجوك والمسؤولين لا نبيع أرامكو لا خمسة في المئة ولا واحد في المئة".
وعلق القصبي، ردا على مناشدة فارسي، وقال إن الاقتصاد السعودي سيستفيد من بيع أسهم في شركة النفط الوطنية العملاقة "أرامكو".
اقرأ أيضا: مخاوف من بيع ثروات المملكة للأجانب.. ووزير سعودي يرد (فيديو)
تطمينات حكومية
وانتقد المسؤول التنفيذي السابق لدى أرامكو، سداد الحسيني، وهو مستشار في مجال الطاقة حاليا، المعارضين لعملية الطرح العام الأولي، قائلا إن معظم المعارضة مبنية على سوء فهم لمنطق الطرح، وإن الهدف منه جمع مبلغ كبير من رأس المال الضروري لتمويل تنويع اقتصاد المملكة في المستقبل.
وقال محمد الصبان المستشار السابق لوزير النفط السابق على النعيمي لـ"رويترز": "هناك قلق حقيقي بين السعوديين بشأن الطرح العام الأولي لأرامكو"، لافتا إلى أن أحد بواعث القلق هو ما إذا كان سيجري تخصيص معظم الأسهم المطروحة للمواطنين السعوديين وأن باعثا آخر هو ما إذا كان الأجانب سيحظون بأي سيطرة على عمليات أرامكو وكذلك أي طرح لاحق للأسهم عبر الاكتتاب في أرامكو.
وأوضح وزير الاستثمار السعودي، خلال لقاء بالغرفة التجارية بجدة، أن الدول ستطرح أسهم "أرامكو" للاكتتاب في السوق السعودية أولا قبل الأسواق الخارجية، مؤكدا أن السوق السعودية لن تتحمل نسبة الـ5% المقرر طرحها من أسهم الشركة، ولو كانت باستطاعتها تحمل هذه النسبة فلن يُفتح الاكتتاب أمام الأسواق الخارجية.
اكتتاب مشروط
لكن بعض المحللين يرون أن تخصيص جزء من الطرح لصالح مستثمرين أفراد من السعودية، قد تزيد من صعوبة الوصول إلى قيمة سوقية لأرامكو تقترب من التريليوني دولار المتوقعة من الأمير محمد بن سلمان.
وقال مصرفي سعودي، فضل عدم ذكر اسمه، إن الحكومة بحاجة للوصول بتقييم أرامكو إلى رقم لا يبعد كثيرا عن تريليوني دولار لكي تتجنب الانتقادات الشعبية، مضيفا أنه قد يتطلب ذلك تعديلات ضخمة في السياسات من بينها على سبيل المثال إجراء خفض حاد في الضريبة التي تدفعها أرامكو على الرغم من هذا من الممكن أن يقلص دخل الحكومة المتكرر.
وتابع: "إذا كان تحقيق رقم قريب من تريليوني دولار أمرا غير مرجح فإن الطرح العام الأولي ربما يتأجل".
وأعلنت السعودية، الأسبوع الماضي، تخفيض نسبة الضريبة على قطاع النفط والغاز من 85 إلى 50%، في خطوة تستهدف تعزيز جاذبية أرامكو في عيون المستثمرين.
وقالت شركة ريستاد إنرجي للأبحاث إن قرار السعودية خفض الضرائب على شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو يزيد القيمة التقديرية للشركة من 0.4 تريليون دولار (قبل قرار خفض الضرائب) إلى 1.4 تريليون دولار (بافتراض متوسط
أسعار النفط في المدى الطويل عند 75 دولارا للبرميل).
ومن ناحيته، طالب عضو مجلس الشورى السعودي، صالح الخثلان، بتقديم إجابات للمواطنين، وكشف الغموض عن تخصيص شركة أرامكو السعودية للبترول، وقال إن رؤية التخصيص غير واضحة، ما جعلها حديث الناس في المجالس والأعمال ومصدر قلق لكثيرين.