سيطر التجاهل التام على مواقف القوى السياسية والإعلامية الرسمية، والموالية لرئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، في
مصر، تجاه مذبحة "
خان شيخون" بسوريا، فيما صدرت مواقف شعبية غاضبة.
وعبر إسلاميون وبرلمانيون وسياسيون عن غضبهم، بينما اكتفت وزارة الخارجية المصرية، بإصدار بيانين، أعربت في أحدثهما، الخميس، عن القلق من "الاستقطاب بمجلس الأمن"، دون أن تأتي على ذكر أي مسؤولية لنظام بشار الأسد عن المذبحة.
وفي موقف متأخر، صدر الأربعاء، إزاء الهجوم الكيماوي، الذي وقع الثلاثاء، أصدرت الخارجية المصرية بيانا أوليا أدانت فيه، بأشد العبارات، ما اعتبرته "القصف العشوائي الذي تعرضت له بلدة "خان شيخون" في مدينة إدلب السورية، الذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا والمصابين، من بينهم عدد كبير من الأطفال الأبرياء".
وأكد البيان، أن المشاهد المؤلمة إنسانيا، وغير المقبولة، التي تناقلتها وسائل الإعلام جراء هذا القصف، تؤكد مرة أخرى أهمية دعم التسوية السياسية للأزمة السورية في أسرع وقت.
وانتظرت سلطات الانقلاب حتى اجتماع مجلس الأمن الدولي الطارئ، مساء الأربعاء، لبحث الهجوم، كي تعلن موقفها إزاء المذبحة، دون أن تتبنى دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة، لمناقشة تداعيات الهجوم، بينما خرج هذا الموقف من دول غير عربية، وذلك على الرغم من أن مصر تحظى بعضوية غير دائمة في المجلس.
بيان بعد 48 ساعة
وبعد مرور أكثر من 48 ساعة، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبوزيد، الخميس، بيانا، حول "موقف مصر من المشاورات الجارية في مجلس الأمن بشأن مشروع القرار المطروح من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بشأن التعامل مع اعتداء بلدة خان شيخون بمدينة إدلب السورية".
وأعرب البيان عن "قلق مصر، وعدم ارتياحها، من احتدام حالة الاستقطاب داخل مجلس الأمن الدولي بشأن التعامل مع ما جرى في خان شيخون بمدينة إدلب السورية".
وأشار إلى أن ذلك بات يعيق قدرة المجلس على وضع حد للمعاناة الإنسانية للشعب السوري، وقال المتحدث إن الموقف المصري يحافظ على المبادئ والمواقف المعلنة تجاه الأزمة السورية منذ اندلاعها.
وأعرب عن الأسف لكون الأوضاع الإنسانية للشعب السوري باتت رهينة للخلافات داخل مجلس الأمن.
وقال إن مصر سوف تستمر في بذل الجهود لتقريب المواقف بهدف التوصل إلى التوافق المطلوب لاعتماد قرار يعكس الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي، "وستتخذ في النهاية القرار الذي ترى فيه تحقيق مصلحة للشعب السوري".
موقف خجول
تجنب مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة، عمرو رمضان، الأربعاء، إدانة النظام السوري المتهم بشن الهجوم، متذرعا بالقول: "يصعب علينا أن تمر تلك الجرائم مرور الكرام دون محاسبة دقيقة وعادلة".
وقال، في كلمة ألقاها بجلسة مجلس الأمن حول الهجوم، "إن استهداف وقتل المدنيين أصبح واقعا أليما وجزءا من الحياة اليومية للشعب السوري، بل تحول الموت والتشريد في
سوريا لمجرد أعداد تستغل من هنا أو هناك لأسباب سياسية".
وادعى أن "مصر ساندت وستساند مفهوم المحاسبة لكل من ثبت ضلوعه في تلك الأفعال غير الإنسانية، أيا كانت الأسباب وراءها"، متجاهلا أي إدانة للنظام السوري.
وأعرب رمضان عن أسفه إزاء الانقسام الذي شهده مجلس الأمن مؤخرا، وفشله لخروجه بقرار يؤسس لمفهوم المحاسبة بعيدا عن التسيس وحالة الاستقطاب التي تجتاح الأطراف الدولية.
ودعا جميع الأطراف السورية إلى التعاون مع بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للوقوف على حقيقة تلك الأحداث، داعيا البعثة إلى الخروج بأقصى وقت ممكن لخلاصاتها في هذا الشأن لتميكن لجنة التحقيق المشتركة من ممارسة نشاطها وفقا لقرار مجلس الأمن.
إدانات شعبية
وبينما لم يتم التحرك عبر مؤسسات رسمية كالبرلمان والحكومة لإدانة الهجوم، صدرت مواقف مستقلة لمشيخة الأزهر، وعدد محدود من أعضاء مجلس نواب ما بعد الانقلاب تدين الهجوم، لكنها تلتزم في إدانتها بموقف النظام المصري الذي يناصر نظام بشار الأسد، المسؤول الأول عن تلك الجرائم.
"وصمة عار"
وجاء أعنف انتقاد من مجلس حكماء المسلمين، برئاسة شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي أدان "المجزرة المروعة التي شهدتها بلدة خان شيخون في مدينة إدلب السورية، جراء تعرضها لقصف بالغازات السامة؛ ما أسفر عن سقوط القتلى والجرحى بينهم أطفال ونساء".
واعتبر المجلس، في بيانه، أن "المشاهد المروعة التي تناقلتها وسائل الإعلام للضحايا من الأطفال والنساء تدلُّ على غياب الضمير العالمي وحقوق الإنسان"، مؤكدا أن "استمرار هذه المأساة الإنسانية ينذر بكارثة وفاجعة كبرى ستكون وصمة عار في جبين الإنسانيّة".
وطالب المجلس "المجتمعَ الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية بضرورة التحرك الفوري والعاجل لإنقاذ حياة الأبرياء في سوريا، والذين لا ذنب لهم سوى وقوعِهم فريسة للصراعات المسلحة، وبسرعة تقديم المساعدات الإنسانية والطبِّية لآلاف المدنيِّين في المدن والبلدات المحاصرة".
وكان الأزهر، دعا، في بيان سابق، المجتمع الدولي إلى تحمُّل مسؤولياته في ضرورة الوصول إلى حل فوري لوقف أعمال القتال والتدمير في إدلب وغيرها من المدن السورية، والسعي قُدُما لوقف نزيف الدم السوري، بحسب بيانه.
"الأطباء العرب"
ومن مقره بالقاهرة، أعرب "اتحاد الأطباء العرب"، عن إدانته البالغة لاستهداف المدنيين بمنطقة خان شيخون.
وطالب الاتحاد المجتمع الدولي بحماية المدنيين في سوريا، وتضافر الجهود من أجل إتاحة ممرات آمنة لفرق الإغاثة لإنقاذ المدنيين من ضحايا القصف.
مواقف برلمانية
من جهتها طالبت النائبة سعاد المصري، في بيان لها، الخميس، كل الأطراف بالالتزام بالرؤية المصرية التي دعت لها على مدى السنوات الماضية لإقرار حل سياسي للأزمة السورية، على حد وصفها.
أما النائب معتز محمود، فقال في بيان مماثل الخميس، "إن هذه الأعمال الوحشية التي يروح ضحيتها الأطفال والنساء والمدنيين، تؤكد أن الأزمة السورية وصلت إلى حائط صد، وأنه ليس أمام كل الأطراف إلا اللجوء للحل السياسي وفق الرؤية التي طرحتها مصر منذ اندلاعها، وفي مقدمتها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واللجوء إلى الشعب السوري، لتحديد قياداته القادمة ومصيره".