منذ اندلاع الثورة السورية في آذار من العام 2011 وحتى اليوم، شهدنا الكثير من المتغيرات في الملف السوري على الصعيد السياسي والعسكري وعلى الصعيد الإنساني كذلك. لقد تغيّرت الكثير من معالم هذا الملف وتبدّلت الكثير من الأولويات فيه، وبرزت العديد من التحالفات، وحصل تقدم وتراجع للمعارضة والنظام خلال السنوات الماضية، وشهدنا صعودا للإرهاب ودخولا للاحتلال، لكنّ الثابت الوحيد في كل هذه المتغيرات كان ولا يزال يتعلق بالزمن وتحديدا من خلال علاقته بالأسد.
بمعنى آخر، من الممكن تجسيد هذه العلاقة بين الزمن والأسد من خلال المعادلة التي تقول بأنّه كلّما طال بقاء
الأسد في السلطة ازداد القتل والدمار والتطرف والإرهاب، هذه القاعدة هي الثابت الوحيد في المتغيّر السوري، والمنطق الذي يقف خلف هذا الثابت بسيط للغاية، وبرهن مرارا وتكرارا عن صحّته، فالنظام السوري هو المشكلة الأساسية في
سوريا وليس أي شيء آخر على الإطلاق.
بسبب النظام السوري حصلت ثورة، وليس بسبب أي شيء آخر، بسبب النظام السوري مات وتشرّد أكثر من 10 ملايين إنسان أي ما يوازي تقريبا عدد سكان سنغافورا والدنمارك مجتمعتين، بسبب النظام السوري وُلِدت جماعات متطرفة وإرهابية وإنفصالية، وبسبب النظام السوري طبعا تعاني الدول المجاورة، وعليه فمن الطبيعي اذا أردنا حل المشكلة ان نتوجّه الى أصلها.
هناك في المقابل من يريد ان يتغاضى عمدا عن كل هذه الحقائق، ولا يكتفي بذلك، بل يريد أن يمكّن للأسد من جديد مستخدما ذريعة أثبتت دوما فشلها كما يبيّنها الواقع
العراقي. التركيز على محاربة الجماعات الارهابية كأولوية ليس الحل اذا كانت المشكلة هي نظام الأسد وهي كذلك بالفعل. تاريخيا، كان لهذا النظام ولا يزال علاقات قوية جدا مع الجماعات الارهابية سواءً في لبنان او في العراق أو لاحقا داخل سوريا نفسها، ولطالما كان يصنّع أو يسهّل او يدعم عمل هذه الميليشيات بما يخدم أجندته السياسية.
محاولة تجاهل كل ذلك، مع السماح بابقاء الأسد ودعم روسيا وايران له والمطالبة في نفس الوقت بالقضاء على الجماعات
الإرهابية امر غير منطقي. محاربة الجماعات المقاتلة المتطرفة المسلحة غير مجدي ما لم يتم تغيير الظروف التي أدّت الى ولادتها. القضاء على الإرهاب لن يغيّر من تلقاء نفسه البيئة التي اوجدته، فالأسد موجود، والدعم الايراني والروسي موجود وبالتالي سيظل هناك من يريد مقاتلة النظام وحلفائه.
اليوم هناك فرصة جديدة لتصحيح المسار الذي وضعته إدارة أوباما. صحيح انّ ترامب قام خلال دقائق بما لم يقم به أوباما لسنوات طويلة، لكنّ ذلك لا يكفي. الضربة التي تمّ شنها ضد قاعدة الشعيرات الجوّية هي ضربة محدودة جدا، ولا يبدو –حتى الآن- أنّها غيّرت من سلوك النظام السوري أو انّها دفعته الى إعادة الحسابات، ربما من غير المناسب بمكان مطالب الولايات المتّحدة بأن تفعل في غضون أيام ما رفض أبواما فعله في سنوات، وسيكون من المنصف إعطاؤها بعض الوقت لتقييم الوضع برمّته، لكنّ لربما كان ردّ الأسد وروسيا وإيران دافعا في نفس الوقت للتفكير مليّا في كيفية التأثير على العنصر الوحيد الثابت في المعادلة السورية.
مهما حاولت العديد من الدول تغيير الأجندات او اعادة ترتيب الأولويات لغض النظر عن حقيقة أن وجود الأسد يولّد الإرهاب، لن تلبث الا وأن تصطدم بها، وهذا يعني أنّها ما لم تتحرّك من الآن وصاعدا باتجاه إعطاء هذه الاولوية حقها وإزاحة الأسد من المشهد في سوريا بما يتيح ولادة هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية واجتماع الدول على محاربة الإرهاب، فان كل المحاولات السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تبذل اليوم ستكون مجرّد تضييع للوقت والمال والجهد ناهيك عن الخسائر البشرية والدمار .