أثبتت مقاطع الفيديو المسربة من كاميرات المراقبة المثبتة على مدخل الكنيسة المرقسية في الإسكندرية زيف الرواية التي حاكها الإعلام المصري عن ضابط شرطة احتضن انتحاري تنظيم الدولة ومنع وقوع كارثة بتفجير نفسه داخل الكنيسة.
وكان الإعلام المصري المقرب من رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي روّج عقب وقوع التفجير الانتحاري في الكنيسة المرقسية لقصة ضابط يدعى عماد الركايبي قال إنه احتضن الانتحاري و"افتدى بنفسه الكنيسة" لمنعه من الدخول إليها والتسبب بكارثة كبيرة.
وتكشف اللقطات أن حارس الأمن الأول على باب الكنيسة طلب بكل هدوء من الانتحاري التوجه للباب الإلكتروني للدخول بدلا من البوابة الرئيسية وبعدها بثوان فجر نفسه.
وتظهر لقطات مصورة بكاميرا من زاوية مختلفة ذات المشهد مع وجود شرطي خلف البوابة الإلكترونية لكنه لم "يحتضن الإرهابي" لحظة محاولته الدخول من البوابة الإلكترونية وبقي واقفا لحين وقوع الانفجار الهائل والذي تسبب بقتل كل الموجودين في المدخل.
رواية الإعلام المصري انتشرت بعد أقل من ساعة على وقوع التفجير الانتحاري وهو ما يثير التساؤلات عن مصدر القصة ومن رواها خاصة أن جميع المتواجدين في عند بوابة الكنيسة قتلوا من شدة الانفجار.
اللافت في الأمر كذلك أن بعض المواقع المصرية وصل بها الأمر لتأليف قصة أخرى تتعلق بنفس الضابط تقول إنه لمح "الإرهابي" وقما بمطاردته حتى أمسك به وقتلا معا في التفجير.
وانساقت موقع عربية كبرى وراء الرواية المصرية وقصة الضابط الذي احتضن الانتحاري وتداولت القصة دون التثبت منها وأحدها كان موقع "العربية نت" الذي نشر صورة ضباط يمنع المدنيين من الاقتراب من مكان التفجير وقالت إنها صورة لـ"لحظة تصدي شرطي للانتحاري ومنعه كارثة" وهو ما قام الموقع لاحقا بتغييره داخل الموقع بعد اكتشاف الخطأ الجسيم لكن العنوان بقي في محركات البحث.
ولم تعتمد رواية واحدة لقصة الضابط الركايبي في الإعلام المصري المؤيد للسيسي بل اعتمد كل موقع روايته الخاصة والتي ثبت أنها جميعها مختلقة بالرجوع إلى ما حدث بالفعل أمام الكنيسة كما كشفت الكاميرات.
فعلى سبيل المثال قالت صحيفة اليوم السابع في عنوانها: "استشهاد ضابط أثناء محاولته القبض على انتحاري في تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية" ولم توضح الصحيفة الكيفية التي حاول القبض بها على الانتحاري.
لكن موقع شبكة الإعلام العربية الشهيرة بـ"محيط" قام بابتكار قصة أخرى تحت عنوان: "عماد الركايبي تصدى بشهامة لانتحاري الكنيسة المرقسية فلقي مصرعه".
وكتب الموقع الرسمي لصحيفة الأهرام المصرية العنوان التالي: "مصدر أمني: ضابط تأمين كنيسة الإسكندرية احتضن الإرهابي لمنعه من الدخول".
بينما عنون موقع الصوت المسيحي وهو أحد المواقع الإعلامية للأقباط بـ"قصة استشهاد المقدم عماد الركايبي.. تصدى بجسده لمحاولة اغتيال البابا تواضروس" علما بأن بابا الأقباط لم يكون موجودا في الكنيسة لحظة وقوع التفجير.
أما موقع البوابة نيوز ويرأس تحريره النائب المصري وأحد أبرز وجوه الإعلام للنظام المصري عبد الرحيم علي فجاء بعنوان: "الركايبي.. ضابط فدائي أنقذ أقباط الإسكندرية من مجزرة رهيبة" بالإضافة نشر خبر آخر ثبت عدم صحته وقال: "لحظة تصدي الركايبي لانتحاري الإسكندرية".
وجاء موقع الشروق المصري كذلك بعنوان: "المقدم عماد الركايبي.. الشهيد الذي احتضن انتحاري الكنيسة المرقسية".
وتطرح هذه العناوين والقصص التي لم تثبت تساؤلات حول هدف إعلام النظام المصري من إطلاقها والجهة التي تقف وراءها وسرعة ظهورها في وقت قياسي بعد الحدث وقبل حدوث أي تحقيقات.
السياسي المصري عمرو عبد الهادي قال إن الانظمة في مصر تعتمد على أسلوب واحد منذ عام 1952 وهو تغييب العقل المصري والعربي وتزييف الحقائق.
وقال عبد الهادي لـ"عربي21" إن النظام يتعامل مع الشعب على أنه كتلة من الجهل ويمكنه تلقي أي رواية وأن المصدر بالنسبة له دائما ما يقوله الإعلام الرسمي.
أشار إلى أن مثل هذه القصص يبتكرها إعلاميو النظام بتعليمات من السيسي "ليظهر إبداعهم في تبرير سوءات نظامه".
وحول الجهات التي تعكف على ابتكار وتأليف القصص والبطولات لعناصر الجيش والشرطة قال عبد الهادي إن أولى الجهات وأكثرها اقتدارا على نسج الحكايات هي الشؤون المعنوية التابعة للجيش.
ولفت إلى أن الشؤون المعنوية جهاز ضخم يملك العديد من الأذرع وقادر على اخراع قصص ونشهر بين وسائل لإعلام التي يملكها.
وقال عبد الهادي إن المخابرات الحربية تأتي في المرتبة الثالثة بعد الشؤون المعنوية ولها نفوذ واسع في تقديم روايات تخدم النظام وتجلب مصالحه.
وفي المرتبة الثالثة بحسب عبد الهادي تاتي المخابرات العامة والتي سبق لها التعاقد مع شركات كبرى تابعة للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بعد فوز ترامب من أجل تلميع صورة السيسي.
ورأى أن أضعف أجهزة الدولة في مصر باختلاق الحكايات والتوجيه الإعلامي هو جهاز أمن الدولة الذي ينظر لكبار ضباطه بأنهم يعانون من "ضحالة المعرفة بالإعلام والسياسة وتسببوا بالعديد من الكوارث في المقابلات الإعلامية التي ظهروا بها".
لكن عبد الهادي شدد على عدم تجاهل الـ 20 ألف لجنة إلكترونية التي شكلتها وأدارتها الإمارات على مواقع التواصل الاجتماعي لصالح السيسي وتحسين صورته.
ولفت عبد الهادي إلى أن نظام السيسي يلجأ لأي أسلوب من أجل استثمار هذه الحوادث سياسيا للحصول على مكاسب.
وقال إن هذه القصص والحكايات التي يبتكرها إعلاميوه توسع من قاعدة "محاربة الإرهاب" لمساعدته أكثر في الإستمرار بالحكم رغم المشاكل الاقتصادية التي تعصف بمصر في حكمه ورغم المشاكل التي ستتفاقم نتيجة قرض صندوق النقد الدولي.
وكان
تنظيم الدولة تبنى أمس التفجيرين الانتحاريين الذين نفذهما اثنان من عناصره في كنيستين بطنطا والإسكندرية.
وأوقع التفجيران الانتحاريان نحو أربعين قتيلا وأكثر من 100 مصاب.