خصصت صحيفة "الغارديان" افتتاحيتها للحديث عن الوضع في سوريا، خاصة في ظل غموض موقف واشنطن، وغياب الخطط الاستراتيجية الواضحة للتعامل مع الملف السوري.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إن "عدم القدرة على التكهن بتحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه بخصوص سوريا تجعل مهمة أوروبا صعبة".
وتعلق الصحيفة على زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى موسكو، التي بدأت يوم أمس، حيث حطت طائرته في مطار موسكو وسط طبقة من الدخان الذي تصاعد من حرق مكب للنفايات، قائلة: "وجد الكثير من المراقبين في الصورة تعبيرا مجازيا لا يمكن مقاومته، خاصة أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا غامضة ومتناقضة ومثيرة للحيرة أكثر من أي وقت مضى، ووصفه بالسياسة يعطيه شيئا لا يستحقه من الانسجام".
وتشير الافتتاحية إلى أن "الأمر ذاته يقال عن السياسة الأمريكية تجاه روسيا، التي كانت دافئة وأصبحت صدامية في اللهجة على الأقل، لكنها تظل أقل وضوحا، بالإضافة إلى أن قدرة الولايات المتحدة للعمل مع الدول الغربية لتشكيل جبهة موحدة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد تبدو ضبابية وغير واضحة".
وتلفت الصحيفة إلى أن "تيلرسون كان يأمل بأن يحمل معه إلى موسكو رسالة موحدة من اجتماع مجموعة الدول السبع الكبار، الذي عقد في إيطاليا، حيث شجب الذين اجتمعوا في لوكا في توسكاني الهجمات الكيماوية على خان شيخون، التي أدت إلى هجمات الجمعة الماضية الصاروخية، التي أطلقتها القوات الأمريكية على قاعدة جوية سورية، واتفقوا على أن الأسد لن يكون له دورفي مستقبل سوريا، وهو ما يقولونه منذ سنين، إلا أنهم اختلفوا حول الخطوة المقبلة، ورفضوا دعم دعوة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لفرض عقوبات على القادة العسكريين السوريين وروسيا، وهو ما يعكس شكهم وعجزهم واعتقادهم أن المسؤولية عن الهجمات الكيماوية يجب إثباتها بشكل كامل".
وتعلق الافتتاحية قائلة: "لا أحد يمكنه لوم الدول الأخرى، التي تحاول أن تضع بينها وبين الإدارة الأمريكية مسافة، في ظل وجود الرجل الذي يقف وراءها، والمواقف المتناقضة التي أبدتها فيما يتعلق بنواياها وما تريد عمله في سوريا".
وتذهب الصحيفة إلى أنه "لا يمكن استنباط سياسة منسجمة من كلام تيلرسون أو مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، ولا المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، ولا الرئيس نفسه، وكما هو الحال في مجالات السياسة كلها، فإن المواقف المتغيرة من هذه الحرب المدمرة التي مضى عليها ستة أعوام تعكس مزيجا من الجهل وعدم الفهم والنزوات".
وتعلق الافتتاحية على الموقف البريطاني الذي يبدو متناسقا مع الموقف الأمريكي، قائلة: "لا أحد يمكنه التعامل مع الرغبة البريطانية للسير يدا بيد مع الإدارة الأمريكية دون انزعاج"، وهو موقف ترى الصحيفة أنه نابع من إصرار بريطانيا الطويل على وجود علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه مرتبط بالبريكسيت، أو إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وترى الصحيفة أن عدم انسجام تصريحات جونسون نابعة من محاولته التحالف مع القيادة الأمريكية.
وتبين الافتتاحية أن الخوف نابع من كون هجوم الأسبوع الماضي هو عملية واحدة ضد استخدام السلاح الكيماوي، وربما دفعه الثناء على اتخاذ أفعال عسكرية تحمل مخاطر، ولا تستبعد الإدارة عمليات أخرى ليست منحصرة في سوريا فقط، مشيرة إلى تحذير الرئيس الأمريكي كوريا الشمالية عبر "تويتر".
وتنوه الصحيفة إلى أن الأدلة تشير وبشكل كبير إلى تورط النظام السوري في الهجمات على خان شيخون رغم النفي الروسي.
وتجد الافتتاحية أن التعبير عن القرف لا يمنع في النهاية ارتكاب جرائم حرب أخرى، مشيرة إلى أن التركيز على اجتماع الدول السبع الكبار جاء بسبب صعوبة الحصول على قرار من خلال مجلس الأمن الدولي، ففي شباط/ فبراير عرقلت كل من الصين وروسيا قرارا لفرض عقوبات على المسؤولين العسكريين المتورطين بارتكاب جرائم كيماوية في سوريا، بالإضافة إلى منع بيع المروحيات للجيش السوري، الذي يستخدمها لرمي البراميل المتفجرة المحملة بغاز الكلور.
وتستدرك الصحيفة بأنه "رغم قرب الدول الأوروبية من الأزمة السورية، ومعاناتها من تداعياتها من خلال أزمة اللاجئين، إلا أن الانطباع الناتج عن لقاء وزراء خارجية الدول السبع يشير إلى الانقسام وعدم القرار بدلا من الاتفاق على إرادة سياسية موحدة".
وتفيد الافتتاحية بأن "تيلرسون أعلن عن (قرب نهاية نظام الأسد) دون أن يحدد الكيفية، مع أن هناك الكثير من الحديث المتفائل عن إمكانية تخلي روسيا بسهولة عن الأسد، وقيام الغرب بدق إسفين بينها وبين إيران، إلا أنها شددت من موقفها ودعمها للنظام، بالإضافة إلى أن مصالح موسكو في سوريا ليست منفصلة عن مصالحها في مناطق أخرى، وحتى يتم إقناعها بتغيير موقفها فإن هناك حاجة لبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية بدلا من التظاهر، كما تحدث وزير الخارجية السابق جون كيري".
وتعتقد الصحيفة أن "الإدارة الحالية ليست قادرة على التركيز والانتباه حتى لو كانت ملتزمة جديا بالقضية، وتبدو الحاجة لحل غير عسكري ملحة أكثر من أي وقت مضى، في ظل عدم القدرة على التكهن بمواقف الولايات المتحدة".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إنه "رغم صعوبة الوضع، فإنه ينبغي على الدول الأوروبية البحث عن طرق للعمل مع الولايات المتحدة، فالعوامل ذاتها التي تجعل من الصعوبة العمل معها تدفع الضرورة لمواصلة التعاون معها".