مناظرات الأديان.. ما الذي يجذب الجماهير إليها؟ (فيديو)

انتشرت في الآونة الأخيرة ومع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي وتضاعف أعداد مستخدميها مقاطع مصورة للمناظرات التي يجريها دعاة أجانب بين ما ورد في الدين الإسلامي والأديان الأخرى.

وتشهد هذه المناظرات والفعاليات حضورا واسعا وتقوم دول عدة باستضافتها واختيار أماكن كبيرة لها لتمكنها من استيعاب جمهور عريض مع كافة الأديان والتوجهات.

وعلى الرغم من عدم حداثة الفكرة إلا أن وسائل التواصل الحديثة زادت من حجم الشريحة التي تتلقى هذه المناظرات وجعلت من السهل الوصول إليها في أي مكان يتوفر فيه اتصال بالإنترنت.

وخلال فترة ثمانينيات من القرن الماضي اكتسب الداعية الجنوب إفريقي الراحل أحمد ديدات شعبية واسعة من خلال مناظراته التي أجراها في العديد من دول العالم مع قساوسة من عدة كنائس عالمية وفي موضوعات مختلفة تتعلق بما ورد في الإنجيل.


وأدت هذه المناظرات لدخول أعداد كبيرة من متابعيها في الإسلام، وفي عصرنا هذا برزت العديد من النماذج كان أحدهما تلميذ ديدات الطبيب الهندي ذاكر عبد الكريم نايك والذي تشهد مناظراته مع غير المسلمين حضور حشود كبيرة تقدر بالآلاف.

وتغلب على لقاءات نايك الحوارات المباشرة مع غير المسلمين ممن حضروا ندواته عبر طرح سؤال من الحضور والإجابة عليه واستعراض نصوص من كتب الديانات الأخرى وتبيان الاختلافات والتناقضات وطرح ما جاء به القرآن في محاولة لإقناع السائل بصدقية ما جاء به القرآن وإدخاله في الإسلام.

وتشهد هذه اللقاءات دخول العديد من الأشخاص في الإسلام بعد الاستماع إلى المناظرات الدينية والإجابة على التساؤلات المطروحة من قبلهم.

ويرى متابعون أن المناظرات بين الأديان تستهوي الجماهير لأن كل طرف يرغب في إثبات حجته وصحة ما لديه وكأنها معركة لكنها بالطبع عبر الحوار وطرح الأدلة والحقائق.

ويرى الخبير في الشأن الأوروبي حسام شاكر أن هذه الحوارات والمناظرات تأتي في وقت تزايدت فيه الأزمة الروحية والأسئلة المفتوحة في المجتمعات الغربية حول الثقافة والدين وجاءت هذه الوسيلة لتلامس حاجة الناس.

وقال شاكر لـ"عربي21" إن هذه الحوارات تلبي قدرا من الشعور بالثقة لدى المسلمين في الغرب بأن هناك أشخاصا مثلهم قادرون على إقناع الآخر بمعتقداتهم ويقفون بجانبهم بالإضافة إلى تعزيز قدرتهم على مناقشة الآخرين في إطار القضايا التي يعايشونها في المجتمعات الغربية.

ولفت إلى أن تطور وسائل التواصل الجماهيري حول العالم زاد من عدد المطلعين على هذا النمط من الدعوة وانتقل الناس من زمن الشاشات التقليدية وأشرطة الفيديو إبان فترة أحمد ديدات إلى المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.


وأضاف شاكر: "أنشطة الوعظ والإرشاد والتوجه الديني تطورت من الشكل التقليدي إلى المنفتح ووصلت لشرائح عديدة من الناس دون تدخل من أحد".

وقال إن كل إنسان قادر على تلقي شبكة الإنترنت باتت تصله رسالة هذه الحوارات الدينية والتي بلا شك لها جمهور واسع يرغب بالاطلاع عليها ومعرفة ما يقال فيها.

وشدد حسام على أن هذه الحوارات الدينية وعلى الرغم من اهتمام الناس بها إلا أنها لا تنتشر بشكل واسع إلا إذا امتلك المحاور قوة الخطابة وتمكن من عدد من اللغات بالإضافة إلى امتلاكه العلم الواسع والثقافة.

وعلى الرغم من إشارة شاكر إلى كثرة المتابعين لهذا النمط الدعوي إلا أنه لم يعد يحظى بتقدير كبير في العالم، لأن فيه نوعا من استثارة الآخر ولا يصل إلى صيغة ودية في التواصل.

وقال إن ما يجب أن تركز عليه هذه الحوارات هو كسب الأطراف والقلوب والعقول في آن واحد بدلا من إقامة الحجة وإظهار أن الآخرين على خطأ.

وأضاف: "الأساليب التبشيرية لم تعد تحظى بنفس التقدير السابق وبات وأصبح هناك حرص في الغرب على عدم تقديم الدين بالطريقة الكلاسيكية وأنه انتقال من دين إلى آخر". 

ورأى أن الدعاة المسلمين في العالم الغربي مطالبون بالوصول إلى قواسم مشتركة بين المجتمعات الإنسانية جنبا إلى جنب مع تبيان الحق الذي نعتقد فيه، لأن السؤال الآن في الغرب هو ليس أي دين أختار بل أصبح الأمر هو الدين أو لا دين لأن اللغة السائدة هي الحداثة وما بعد الحداثة والظواهر الاستهلاكية في المجتمعات.

من جانبه قال الداعية السعودي الدكتور محمد موسى الشريف إن هناك عوامل عدة تحكم نجاح هذه الحوارات التي يقودها دعاة أجانب من غير العرب.

وأوضح الشريف لـ"عربي21" أن أهمية الخطاب الذي يقدم في هذه الحوارات والساحة المناسبة لها تحكم نجاحه ومدى حشد الناس له.

ولفت إلى أن الحوارات التي كان يجريها الداعية الراحل أحمد ديدات على سبيل المثال لم تكن تلقى رواجا كبيرا لمتابعتها في العالم العربي لكن في الخارج كان لها حضور واسع لأنها تهم شريحة معينة من الناس.

وأشار إلى أن قوة الداعية وسعة علمه وفهمه للطوائف التي يتحدث إليها وامتلاكه لأساليب الإقناع والحجج القوية يسهم في تجمع الناس حوله والاستماع لما يقول سواء كانوا مؤيدين له أم مخالفين.

وردا على الحديث القائل إن هذه الحوارات تجذب الجماهير لابتعادها مباشرة عن السياسية قال الشريف: "ربما هذا صحيح لكن في الوقت ذاته هذا النوع من الدعوة يتصدى له أشخاص بارعون في هذا المجال، ولو انشغلوا بالسياسة فهناك احتمال أن يفشلوا".

ولم يتفق الشريف مع ما ذهب إليه شاكر في أن هذا النوع من الأساليب الدعوية لم يعد يلقى تقديرا في الخارج وقال: "هذه الأيام نشهد العديد من الشبهات والآراء المضللة التي تثار بين الفينة والأخرى وأصبحت الحاجة ملحة لمثل هذا النمط من الدعوة".

وأضاف: "وسائل التواصل الحديثة والإعلام الجديد أسهم بشكل كبير في وصول الأفكار للناس وملاحظة الحشود في مثل هذه الندوات والمناظرات مرده الانتشار الواسع لها بين الناس".

لكن الشريف شدد على أن المتصدرين لهذا النوع من الأساليب الدعوية إذا لم يمتلكوا التخصص وأدوات العلم وسعة المعرفة بالثقافات والأجناس والأديان الأخرى والبيئات المختلفة فلن يجتمع أمامهم أحد.