قضايا وآراء

عصر ملوك الطوائف.. عندما يعيد التاريخ نفسه!

رضا حمودة
1300x600
1300x600

تعيش الأمة العربية والإسلامية وضعاً مشابهاً إلى حد كبير لعصر ملوك الطوائف في الأندلس قبيل سقوطها، تلك الفترة التي أعقبت سقوط الدولة الأموية، فتمزقت وحدة الدولة الأندلسية ككيان واحد متماسك؛ إلى كيانات وإمارات ودويلات متناحرة، يوالي ملوكها العدو من أجل البقاء فقط على العرش، حتى سقطوا جميعاً على يد من والوهم، ودخلوا تحت طاعتهم يوماً ما، أو هكذا ظنوا بكل غباء. وكانت أوضاع هذه الدويلات المنقسمة على نفسها أصلاً في غاية السوء؛ من نزاعات داخلية فضلاً عن صراعات بين الإخوة أنفسهم فيما بينهم.

لم ينشغل ملوك الطوائف إلا بحياة الترف الدنيوي، والإسراف في أموال رعيتهم بالباطل يميناً ويساراً، في مقابل القعود عن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الدين والأرض. وهو المشابه للوضع العربي إلى حد كبير لما بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وتوزيع تركة الدولة العثمانية، حيث تم تقسيم الوطن العربي في قارتي آسيا وإفريقيا إلى دويلات وحدود ملتهبة، حتى يسهل السيطرة عليهم بعد اتفاقية" سايكس بيكو" عام 1916، قبيل انتهاء الحرب العالمية الأولى، عبر اثارة الحروب والنزاعات فيما بينها؛ لقطع أي طريق للوحدة والاتحاد.

 

وللمفارقة المثيرة، أن إمارات الأندلس المتناحرة كانت 22 إمارة ،كعدد الدول العربية الآن، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن دون أن نتعلم منه شيئاً، حتى لكأننا ما تعلمنا من التاريخ إلا عدم التعلم منه


وللمفارقة المثيرة، أن إمارات الأندلس المتناحرة كانت 22 إمارة ،كعدد الدول العربية الآن، وكأن التاريخ يعيد نفسه، لكن دون أن نتعلم منه شيئاً، حتى لكأننا ما تعلمنا من التاريخ إلا عدم التعلم منه.

في الأندلس، استعان بعض ملوك الطوائف بنصارى إسبانيا المتربصين على الحدود؛ ضد إخوتهم في الدين واللغة والدم، وبالأمس القريب طعن ملوك طوائف اليوم الشقيق العراق مرتين، الأولى عندما دخلوه منقادين تحت قيادة التحالف الدولي، بقيادة ولي النعمة الأمريكي، بعد اجتياح العراق للكويت عام 1991، والثانية بعد تآمرهم مع حليفهم المحتل الأمريكي أيضاً على ما تبقى من العراق، حينما اجتاحه بهمجية في آذار/ مارس 2003، وأعاده لعصور ما قبل التاريخ، فسقطت حضارة بلاد الرافدين بمباركة وخيانة الإخوة الأعداء. واليوم يشنون حملة شيطنة ضد السودان الشقيق، عقاباً له على تقاربه الأخير مع تركيا عبر اتفاقيات اقتصادية، أبرزها حق إدارة جزيرة "سواكن" على البحر الأحمر، حتى وصل الأمر إلى حشد عسكري على الحدود بين مصر والسودان.

في الأندلس، تحالف بعض ملوك الطوائف مع نصارى الإسبان، وارتضوا أن يدفعوا الجزية وهم صاغرو؛ن لألفونسو السادس، ملك قشتالة، ليأمنوا غدره، وهو الغادر بهم لا محالة، عاجلاً أو آجلاً. واليوم يدفع بعض ملوك الطوائف الجزية لكفيلهم "دونالد ترامب"، خوفاً وطمعاً في الرضا السامي الأمريكي والصهيوني، من أجل شراء العرش ولو على أنقاض شعبه وأمته.

 

في الأندلس شارك بعض ملوك الطوائف العدو في حصار إخوتهم، واليوم تتحالف مصر الكبرى مع العدو الصهيوني في حصار وتجويع إخواننا في قطاع غزة

في الأندلس شارك بعض ملوك الطوائف العدو في حصار إخوتهم، واليوم تتحالف مصر الكبرى مع العدو الصهيوني في حصار وتجويع إخواننا في قطاع غزة، منذ عام 2007، بحجة محاربة التطرف والإرهاب، وعقاباً للشعب الفلسطيني على اختيار من يمثله بنزاهة وديمقراطية، حتى أن بعض إمارات الخليج (السعودية والإمارات والبحرين) وبمعاونة مصر أيضاً؛ ضربوا حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على شقيقتهم الصغرى "قطر"، منتصف العام المنصرم، بهدف تركيعها وإخضاعها، وضمها قسراً لما يسمى معسكر الاعتدال الموالي لأمريكا وإسرائيل.

 

في الأندلس، دفع بعض ملوك الطوائف الأموال الطائلة لقتال أشقائهم في الدين، وهو ما فعلته وتفعله إمارات ابن زايد في مصر وليبيا واليمن

في الأندلس، دفع بعض ملوك الطوائف الأموال الطائلة لقتال أشقائهم في الدين، وهو ما فعلته وتفعله إمارات ابن زايد في مصر وليبيا واليمن، حتى وصلت أموالهم ضد المضطهدين المستضعفين المسلمين في شمال مالي وأفريقيا الوسطى.

إن اشارات السقوط وارهاصات الانهيار واضحة لكل ذي عينين، حيث أن المقدمات السيئة تدل على النتائج الأسوأ، ذلك أن الثابت في المعادلة الكونية أن الأيام دول والعروش زائلة، وكي تبقى في هذا العالم ثابتاً على قدميك، لا بد من الأخذ بأسباب البقاء، وطالما أننا نسير عكس الاتجاه، دائماً فلا مناص لنا من السقوط المدوي، في وقت لن ينفع فيه البكاء كالنساء على ملك لم نحافظ عليه كالرجال، كما قالت والدة "ابن الأحمر"، آخر ملوك الأندلس له عند سقوط آخر معاقلها غرناطة، قبل أكثر من خمسة قرون.

التعليقات (0)