قضايا وآراء

انتفاخ الشاهد.. وخيارات النهضة

نور الدين العويديدي
1300x600
1300x600
مر يوسف الشاهد للسرعة القصوى في التعامل مع الحزب الذي أوصله إلى رئاسة الحكومة.. لقد بدأ عمليا بقتل الأب، في مساع حثيثة ومنهجية يقوم بها الرجل وفريقه لتفكيك حزب نداء تونس وكسر عظامه عظما عظما، واستقطاب عناصره الفاعلة، واحدا بعد الآخر، وخاصة من أعضاء مجلس النواب ووجوه الطبقة الأولى في الحزب، حتى يصبح للشاهد حزبه، الذي يوشك أن يولد كبيرا بلحية وشنب.. إنه الحزب العتيد، الذي سيخوض به غمار انتخابات 2019، مسلحا قدر طاقته بشرعية الإنجاز الاقتصادي ومحاربة الفساد.

استقالات في صفوف النواب من نداء تونس والتحاقهم بكتلة الائتلاف الوطني، التي هندسها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وفريقه السياسي لتدعمه في البرلمان.. سياسيون من غير النواب استقالوا أيضا من الحزب والتحقوا بالشاهد، بما يوحي بأن الريح باتت تحتطب - كما يقال - للرجل، الذي يبدو أنه سيكون فارس الدولة العميقة ومرشح أصحاب المصالح الكبرى في انتخابات العام 2019 البرلمانية والرئاسية.

تقول الأسماء المستقيلة الملتحقة بالشاهد مؤخرا؛ إن لوبي السواحلية العريق في الحكم والمال يستكمل إحاطته برئيس الحكومة، مقابل لوبي "البلدية"، الذي يشتغل مع الرئيس الباجي قايد السبسي وابنه وحزبه، نداء تونس.. وتاريخيا، للوبي السواحلية الأرجحية على لوبي "بلدية" العاصمة، فالرئيس الحبيب بورقيبة ساحلي، وخليفته الجنرال المخلوع زين العابدين بن علي ساحلي أيضا.. وأما الشاهد اليومي، فله قدم في لوبي "البلدية"، ولادة وصهرا، ومعه لوبي الساحل وإمكانياته الكبيرة من المال والإعلام.. وهكذا تضخم الشاهد وانتفخ، ولم يعد يرى نفسه إلا لائقا بالحكم ثابتا فيه.

قائد لواء جديد

بعد فرار المخلوع زين العابدين بن علي يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011، دخلت بقايا النظام القديم في حالة من الفوضى والارتباك، حتى نجح الباجي قايد السبسي في أن يحمل لواء "القديمة"، بدءا من صيف العام 2012، ليجمع حوله لفيفا واسعا من أصحاب المصالح ورجال الأعمال واللوبيات المالية والاقتصادية ورجال الإدارة والدولة العميقة، ويكون فرس رهان قوى التأثير الخارجي، التي تبحث عن رجل يحمل مشروعا يعبر عن مصالحها في تونس أو لا يصادمها مصادمة بينة واضحة..

مكن قائد السبسي ذلك الجسم الهلامي غير الواضح المعالم وغير المتجانس؛ من تجاوز عتبة الثورة وما تعد به من تغيير واسع ومحاسبة، بأن أعاد بعد انتخابات العام 2014 كثيرا من الوجوه القديمة وأصحاب المصالح للواجهة، وأعطاهم قانون المصالحة الاقتصادية، الذي سمح للكثيرين منهم بالإفلات من المحاسبة والعقاب. لكن قائد السبسي لم تعد له اليوم القدرة البدنية والروحية ليواصل السيطرة على الخليط غير المتجانس، ولاستكمال القيام بالمهمة انطلاقا من عام 2019..

لقد كبر الرجل وتمرد عليه الجميع، بمن فيهم ذلك الشاب يوسف الشاهد الذي جاء به للحكم يوما ليكون الواجهة التي يصرف من خلالها قايد السبسي مشروعه، فإذا به ينقلب على ولي نعمته.. كما إن ذلك اللفيف من الرجال والمصالح يحتاج اليوم إلى قائد لواء جديد بديل، بعد ترهل الرئيس قائد السبسي، ويبدو أنه حتى الآن سيكون يوسف الشاهد.

عقبة كؤود تقف في وجه نجاح الشاهد في القيام بالمهمة؛ هي الاتحاد العام التونسي للشغل.. فالاتحاد الذي حلا له خلال الأعوام الماضية أن يكون حاكما على الحكومات وسيفا مسلطا فوق رقابها، يريد اليوم إقالة الشاهد حتى يتم تعويضه برئيس حكومة آخر مطواعا سهل الانقياد، للحفاظ على دولة الاتحاد العميقة التي تمد جذورها في مختلف مؤسسات القطاع العام.

فإن فشل اتحاد الشغل في إقالة الشاهد، فالأرجح أن يعمد إلى تعويق رئيس الحكومة وتشويه صورته بربطها بالاضطرابات والفوضى، ومن ثم العجز عن الحكم. فإن تدخلت جهة دولية أو محلية و"شكمت" اتحاد الشغل وضبطت إيقاع حركته، أو اجتاز الشاهد تلك العقبة بطريقة أو أخرى، قد يجد الطريق سالكا أمامه ليعود للسلطة من أبوابها الواسعة.. إنه الامتحان العسير لرئيس الحكومة وللنقابة.. إنها عمليات عض أصابع متبادلة، ولا أحد يعرف حتى الآن كيف يكون المصير.

خيارات النهضة

تجد حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، وهي الحزب الأكبر في البرلمان والفائز في الانتخابات البلدية مؤخرا، نفسها بين خيارين اثنين:

- ربما يكون أفضل خيارات النهضة قريبة المدى أن تترك يوسف الشاهد يمعن في تمزيق جثة حليفها وغريمها حزب نداء تونس، دون أن تسمح له بابتلاعه كله، حتى تجد نفسها أمام حزب منقسم ممعن في الانقسام، بين زعاماته المختلفة، غير قادر على مواجهتها في أي عملية انتخابية قادمة. ويمكن للنهضة متى أرادت أن توقف يوسف الشاهد عند حده حتى لا يجهز كليا على النداء، بأن ترفع عنه الغطاء البرلماني فيسقط هو وحكومته، قبل استكمال مشروعه. ومن ثم تتوقف قدرته خارج السلطة على التعبئة والاستقطاب. فمعظم الذين يفرون اليوم من سفينة النداء قبل غرقها ويلتحقون بالشاهد هم في الغالب من السياسيين المحترفين الباحثين عن مصالحهم الخاصة قبل أي اعتبار. وهؤلاء لن يلتحقوا إلا بحزب في السلطة أو بحزب سيعود قريبا إليها.

- الخيار الأرجح للنهضة أن تترك الفرصة للشاهد حتى يجهز نهائيا على النداء، وأن يكون هو البديل لديها الذي سيواجهها انتخابيا، في 2019، ومن ثم يرجح أن تضطره نتائج الانتخابات على أن يتحالف معها لاحقا في توافق جديد، يخلف توافقها مع الرئيس الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس. لكن تصريحات النهضة العلنية التي تدعو الشاهد لعدم الترشح لانتخابات العام القادم، والتركيز على مهام الحكومة في تحسين الوضع الاقتصادي وإصلاح الإخلالات المالية العميقة، وهي الالتزامات التي يتهرب الشاهد من التعهد بها، قد تفسد الطبخة من ناحية، وقد تعني من ناحية أخرى أن استراتيجية النهضة لم تتبلور بعد بشكل نهائي، وأنها تخشى من تعفن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يحول دون الوصول جملة لانتخابات 2019، أو أن يقفز مجهول ليتلو البيان رقم واحد.

وضع صعب

الثابت أن ليس بوسع أحد، لا النهضة ولا غيرها، وقف الصراعات داخل حزب النداء.. فقد بلغت الخلافات بين الشركاء/الفرقاء مرحلة لا يمكن العودة معها إلى الوراء.. لقد تهشم بلور النداء وتشتت، ومن العسير - إن لم يكن المستحيل - إعادة ترميمه من جديد وجمع صفوفه ليكون كما كان من قبل.. لا يمكن اليوم تخيل الشاهد وحافظ قائد السبسي في حزب واحد.

الثابت أيضا أن طموحات يوسف الشاهد الظاهرة البينة لا يمكن السيطرة عليها. فالرجل الذي جاء مصادفة لرئاسة الحكومة؛ قد أعجبه الحكم وأغواه أشد الغواية.. ولذلك فإنه بات اليوم مهموما بالعودة إليه مظفرا بعد عام. وسواء خرج من الحكم خلال أشهر أو استمر في السلطة حتى الانتخابات القادمة، فإن همه الأول البقاء في السلطة أو العودة إليها أقوى وأكثر تحررا من داعميه، وعلى رأسهم حركة النهضة..

الصراعات السياسية جزء أصيل من الديمقراطية.. لكن ما يشكو منه مسار الانتقال الديمقراطي في تونس أن اللعب فيه عادة ما يكون على شفير الهاوية.. لعب قد لا تسلم فيه الجرة كل مرة.
التعليقات (0)