ليس أدل على عمق الأزمة، من أن قائد الانقلاب العسكري في مصر لم يجرؤ على الاحتفال بعيد تحرير سيناء على أرض سيناء نفسها. وليس أدل على حجم "المحنة الوطنية" من أن من نصب نفسه رئيسا لمصر بقوة السلاح، لم يذكر إسرائيل على طرف لسانه، في هذا العام أو في احتفالاته السابقة بتحرير هذه القطعة العزيزة من أرض الوطن، وكأن تحريرها لم يكن من الاحتلال الإسرائيلي، وكأنها كانت محتلة من قبل القوى السفلية!
لقد اصطحب عبد الفتاح السيسي وفدا من القاهرة إلى محافظة الإسماعيلية؛ ليحتفل هناك بتحرير سيناء، وهو أمر يؤكد أن الحالة الأمنية فيها ليست على ما يرام، وأن هذا هو السبب في احتفاله خارجها، وكان بإمكانه أن يحتفل بالتحرير في العاصمة المصرية "القاهرة"، فلا يلفت الانتباه إلى "خيبة الأمل" وهو الذي أرجع تفجيرات الكنيستين إلى انتصار الجيش على المسلحين في سيناء، ما دفعهم إلى الخروج منها، لإثبات وجودهم خارجها، فكذب نفسه بنفسه!
الاحتفال في الإسماعيلية بعيد تحرير سيناء، إنما يؤكد أن الأمور ليست قبضته، فلم يكن بإمكان الجيش والشرطة توفير مكان آمن في سيناء للسيسي وشبابه للاحتفال، ورفع الحرج بتعطيله مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، والذي ينعقد للسنة التاسعة عشر في نفس الموعد من كل عام، لكن تم وقف المؤتمر وإبعاد الضيوف إلى القاهرة فجأة لأن السيسي اتخذ قراره بالاحتفال بتحرير سيناء وبعقد مؤتمر الشباب في نفس المحافظة!
ما علينا، فلا يجوز الدخول للموضوع قبل التطرق للشكل الذي هو في حالتنا هذه جزءا من النظام العام بلغة القانونيين!
وفي الموضوع، فإن المسكوت عنه في هذا المهرجان، أكثر أهمية من الملفات المطروحة التي لم تعالج إلا بعبارات هائمة، وكلمات طائرة، وجمل غير مستقيمة، من رجل يفتقد للخطاب السياسي ومع ذلك يدعو لتجديد الخطاب الديني!
لقد انعقد المؤتمر بعد عودة السيسي من زيارة سريعة إلى المملكة العربية السعودية، لم تكن يده فيها هي العليا، وقد ظهر السيسي في مباحثاته مع العاهل السعودي بدون العلم المصري، ما يمثل استهانة بالضيف. ويبدو أنها زيارة غير ناجحة، فلم يتعرض في مؤتمر الشباب إلى ما حققه من إنجازات في هذه الزيارة، ولو على مستوى المساعدات المالية (أي الرز)، وذلك رغم أن إعلامه قال إن الزيارة حققت إنجازات كثيرة لم يسمها!
لقد كان لقاؤه مع الملك سلمان باهتا هذه المرة، ويبدو أنه ذهب إلى هناك مجبرا لا بطل، وبناء على أمر أمريكي لتسوية موضوع الجزيرتين، ويتردد أنه عرض تأجيل تسليمها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في 2018 وأن عرضه قد رفض سعوديا، وإذا كان قد تعرض لموضوع الجزيرتين ردا على أحد الأسئلة المطروحة عليه في مؤتمر الشباب، فقد "لت وفت" و"أرغى وأزبد" قبل أن يقول أنه يحترم القضاء والبرلمان، مع أن احترامه للأول، يستدعي أن يسحب طلبه للبرلمان بمناقشة عملية تسليم الجزيرتين، فالحكم عنوان الحقيقة، والمحكمة الإدارية العليا أنهت الجدل بحكم نهائي وبات، ويعد مجرد الجدل فيه إهانة للقضاء وإهدارا لحجية الحكم.
ومن الملفات المسكوت عنها أيضا، ملف زيارته لواشنطن، ولا يعقل أن ينعقد المؤتمر في أجواء هبوط طائرة عسكرية إلى أرض القاهرة لتحمل "آية حجازي" إلى هناك، فلا يشغل هذا بال السائلين، الذين انغمسوا في جلسة كاملة للحديث عن كوبري هنا وعن نفق هناك!
وإذا كان "ترامب" قد صاغ طلبه بالإفراج عن المذكورة، بأنه كان "رجاء" لا "أمرا"، فإنه لم ينف أن السيسي استجاب لرجائه وتدخل، فكان الحكم القضائي بالبراءة لـ"آية" ومن معها، وما يحمله هذا من تدخل في السيادة المصرية على النحو الوارد في بيان وزارة الخارجية في مواجهة طلب سابق من البيت الأبيض في عهد الرئيس "أوباما" بإخلاء سبيل "آية حجازي"!
لقد أثير موضوع سد النهضة في اللقاء، من بين الأسئلة التي طرحها "مذيع الفقرة" وقام سريعا بالقفز عليها إلى سؤال آخر، وهو الملف المؤلم وطنيا، لأن السيسي ومنذ البداية طلب من المصريين أن يطمئنوا لأنه "عمره ما خان أو سيخون"، وأنه لا يقبل حديثا في هذا الموضوع، قبل أن يقف المصريون على الكارثة التي تتهدد مستقبلهم لأن الاتفاق الذي وقعه مع الجانبين الأثيوبي والسوداني لا يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، كما قال الخبراء، والخطر استشعره إعلام السلطة لكن بدلا من أن يبحث عن مرتكب الجريمة، ذهب يتهم دولة قطر كما هي العادة بأنها تقف وراء بناء سد النهضة بالتمويل والمساندة، واعتبر أي حضور عربي في أثيوبيا هو مؤامرة على مصر، وكأن البلاد في حالة عداء مع الإثيوبيين، وهذا ليس صحيحا؛ لأن عبد الفتاح السيسي كان في كامل قواه العقلية وهو يوقع الاتفاق الجريمة الذي بمقتضاه منح شرعية لبناء السد، وإذ حذر وزير الري الأسبق "نصر الدين علام" من خطورة اتفاق المبادئ، فقد حذره السيسي علانية بأن يتوقف عن الحديث في الموضوع، ولأن الوزير لم يستوعب الرسالة فقد كان الرد بسجنه في قضية فساد، إن صحت فقد ارتكب مثلها "توفيق عكاشة" بالحصول على خمسة آلاف فدان للاستصلاح الزراعي قبل أن يصدر قرار وزير الزراعية بتحويلهم إلى أراضي للبناء، ومع ذلك لم يتم فتح تحقيق – مجرد التحقيق – في هذه الجريمة التي تم سجن وزير الري بسببها!
الشاهد في "لت" السيسي و"عجنه"، أنه لا يملك شيئا يقدمه للمصريين، الذين يطالبهم بالصبر إلى ما لا نهاية، فلا خطة هناك لمواجهة بؤس الحياة، ولا أمل بالتالي في التغلب على حالة الضنك التي يعيشها الناس، وهو دائم التذكير بسوريا والعراق، مع أنه لا فضل له في نجاة مصر من هذا المصير، فمصر ليست معرضة للاحتلال كما العراق وأنه أنقذها من ذلك ليكون له الفضل، ثم أنه وفي المقارنة بسوريا فقد فعل ما فعله بشار الأسد، من قتل وإبادة، وفي الحالة السورية فقد ردت المعارضة بتسليح الثورة، لكن في الحالة المصرية رد عليه مرشد الإخوان بـ "سلميتنا أقوى من الرصاص"!
إن كان هناك من فضل لأن مصر لم تتحول إلى سوريا فإن الإنصاف يحتم علينا أن نعلن أن الفضل يرجع للإخوان الذين رفضوا أن يجاروه في إجرامه!
هذا فضلا عن انه وإن تمكن من اختطاف سيناء بعيدا عن الرأي العام فقد حولها إلى سوريا والعراق، إلى درجة أنه لم يستطع أن يحتفل بتحريرها في أي ركن فيها، وكان احتفاله في محافظة الإسماعيلية بعد أن قام بإخلائها من البشر!
احسنت يا استاذ انه فعلا قذم امام عمالقه هذا هو احساسه وذلك ينم علي تربيته الحقيره واخلاقه الوضيعه
أبوعزيزة
السبت، 29-04-201706:14 م
" والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا " صدق الله العظيم
الحاكم البائس لا يخرج الا بؤسا ...هذا حقيقى ولكن اين الشعب مما يحدث ؟ أكاد أجزم أن الناس لا تعى حجم الكارثة التى نحن مقبلون عليها حال تشغيل سد النهضة وكأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد..فهم مشغولون طوال الوقت باسعار الموادالغذائية غير مدركين أنه لن يكون هناك غذاء أصلا.... إ
فارس أصيل
السبت، 29-04-201701:07 م
رائع أستاذي الفاضل
فكلامك ذهب وعين الحقيقة والسيسي جاء الى السلطة بحكم الأنقلاب إلا لشيء واحد فقط وهو تدمير مصر أجتماعيا وسياسيا وعسكريا ودينيا
وتدمير مقدراتها وأفقارها وجعلها بلد تنغمس بالفقر والديون والقضاء على كل مقومات أعادة قيامها من جديد
وذلك كله بعد أن تم تدمير العراق وسوريا حصون الأمة العربية وقوتها ولم يتبقى إلا مصر فجاء هذا الخائن وفعل بها مافعل
والقادم أعظم وأسئل الله اللطف