اتخذ قائد الانقلاب في مصر
عبدالفتاح السيسي قرارا مفاجئا، السبت الماضي، بإقالة الدكتور
أحمد درويش من رئاسة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بعد أقل من عامين من توليه هذا المنصب، وعين خلفا له رئيس هيئة
قناة السويس، الفريق مهاب مميش.
وأثارت هذه الإقالة تساؤلات حول وجود دوافع خفية وراءها، كما أنها جددت الجدل حول سيطرة
العسكريين على غالبية المناصب العليا في البلاد، وخاصة المشروعات الاقتصادية الكبرى ذات العوائد الكبيرة، بعدما استحوذ الفريق مميش على رئاسة الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.
وكان درويش قد أصدر تكذيبا نادرا لرئاسة الانقلاب ومجلس وزرائه، مؤكدا عبر صفحته في موقع "فيسبوك" أنه لم يقدم استقالته من منصبه، ولم يتلق عرضا لتولي منصب مرموق في منظمة دولية كما أشيع عنه.
شفاف أكثر من اللازم
وكان درويش قد أصدر قبل خمسة أيام من إقالته؛ التقرير السنوي للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والذي يستعرض ما أنجز على مدار العام الماضي، لكن التقرير لم يقتصر على إنجازات الهيئة فقط، وإنما تضمن أيضا -على غير العادة- نقدا للدولة وللأوضاع الأمنية والسياسية التي تؤثر على عمل الهيئة والاقتصاد بشكل عام.
وأشار التقرير إلى أن عمل الهيئة يواجه العديد من الصعاب، من بينها "عدم الاستقرار الأمني، وصعوبة تحويل العملات الأجنبية، والضرائب المقررة بالمنطقة، وسمعة مصر السيئة في سهولة أداء الأعمال، وصعوبة إجراءات التقاضي والخروج من السوق".
وأوضح التقرير أن منطقة قناة السويس ما زالت غير جاهزة لاستقبال الاستثمارات، بسبب عدم جاهزية البنية التحتية، وعدم الانتهاء من كثير من المشروعات بالمنطقة، وعدم مساهمة الدولة في تمويل المشروعات.
"خلافات مع المؤسسات الوطنية"
لكن صحيفة "الوطن" ذكرت أن نظام السيسي أقال درويش بسبب خلافات بينه وبين مؤسسات وطنية، بالإضافة إلى توتر العلاقة بين درويش ونائبه اللواء عبدالقادر مرتضى، المقرب من مهاب مميش، بسبب عدم إشراكه في القرارات الهامة التي يتخذها.
وأوضح التقرير الصادر عن هيئة الرقابة الإدارية في 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، أن عددا من الشركات الوطنية رفعت شكاوى إلى مميش بسبب تفضيل درويش لشركات أجنبية، الذي نقل الأمر بدوره للسيسي، واعترض على منح رصيف ميناء غرب بورسعيد لشركات أجنبية، مشددا على أن الأولوية يجب أن تكون للكيانات الوطنية لضرورات الأمن القومي.
وبحسب مراقبين؛ فقد كانت هناك مقدمات سبقت قرار الإقالة؛ منها سحب بعض الاختصاصات من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومنحها للفريق مهاب مميش، أبرزها قرار السيسي في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2016، بنقل تبعية الموانئ الستة التابعة للمنطقة الاقتصادية للإشراف المباشر لمميش.
غريب ومفاجئ
وقال المحلل السياسي عبدالخبير عطية، إن إقالة الدكتور أحمد درويش من الهيئة الاقتصادية لقناة السويس "أمر غريب ومفاجئ، وخصوصا أن الرجل نجح في تحقيق إنجازات كبيرة جديدة، وأبرم عقودا استثمارية في محور القناة بفضل علاقاته الدولية".
وأضاف أن السبب في هذه الإقالة هو التقرير الذي نشره درويش حول أداء الهيئة الاقتصادية؛ لأنه أوضح فيه العديد من التفاصيل المتعلقة بمشروع محور القناة، بينما لم يعتد السيسي مثل هذه الشفافية، وخصوصا في الأمور المتعلقة بمشروعات يعتبرها متعلقة بالأمن القومي مثل قناة السويس.
وأشار إلى أن "النظام لم يعلن أسباب الإقالة على الرأي العام مثلما يفعل دائما مع الوزراء الذين يتم إقالتهم دون أن نعرف الأسباب، وكان يعتقد أن درويش لن يخرج ليرد على هذا القرار، لكنه باعتباره شخصا محترفا أكد أنه لم يقدم استقالته، وأنه أقيل من منصبه".
وحول أسباب تعيين الفريق مهاب مميش خلفا لدرويش؛ قال عطية إن "النظام لا يثق سوى في المقربين منه، ولا يوجد أشخاص مقربون من السيسي الآن سوى العسكريين".
النظام لا يثق إلا في المقربين
من جهته؛ قال الباحث السياسي جمال مرعي، إن "إقالة درويش غير المبررة سببت حرجا للنظام؛ لأن الجميع يعلم أنه شخص كفؤ ونزيه"، مؤكدا أنه "إذا حاول النظام اختلاق أسباب غير حقيقية لإقالته؛ فستكون فضيحة عالمية".
وأضاف أنه "استغرب في البداية تعيين أحمد درويش في هذا المنصب؛ لأنه شخص مدني وليس عسكريا، ويبدو أن النظام كان يريد أن يقنع جهات خارجية معينة بأن هناك تكافؤا للفرص في البلاد، وأن أشخاصا مدنيين يتولون مناصب حساسة، أو أنه يحاول الاستفادة من خبرات وعلاقات درويش الدولية في توقيع اتفاقيات مع مستثمرين أجانب، وحينما أنهى هذه المهمة تمت إقالته".
وأكد مرعي أن "النظام لا يثق سوى في المقربين منه، ومن المتوقع أن تكون هذه الخطوة مكافأة للفريق مهاب مميش حتى يحصل على إنجازات قناة السويس كلها، بما في ذلك الهيئة الاقتصادية".