رغم أن الرئيس الأميركي لم يكن متوقعا له أن يحدث أي اختراق سياسي على صعيد الصراع العربي
الإسرائيلي، إلا أنه نجح باستثمار حاجة العرب لمواجهة إيران في إدماج إسرائيل بالمنطقة في إطار
السلام الاقتصادي الذي روج له.
ومن أهم إنجازات
ترمب أنه تمكن من توقيع اتفاقيات تزويد السعودية بأسلحة متطورة قيمتها 110 مليارات دولار واتفاقات تجارية أخرى على مدى عشر سنوات بقيمة تتجاوز 300 مليار دولار، حيث دفعت السعودية هذا الثمن الثقيل جدا لتشكيل شراكة مع الولايات المتحدة لمواجهة ما يسمى الخطر الإيراني في اليمن وسوريا والعراق.
حصار إيران وسلام اقتصادي
وجمع العاهل السعودي زعامات الدول العربية والإسلامية في مواجهة إيران وتأكيد وصمها بالإرهاب والسعي لحلف عربي إسلامي ضدها وضد تنظيم الدولة.
ولا تزال الشكوك تدور حول نجاح استراتيجية تشكيل (ناتو عربي إسلامي) ضد إيران والتي حملها ترمب معه، إلا أن مجرد إطلاق الفكرة والعمل عليها يساهم في المزيد من حصار إيران بأيدي العرب والمسلمين، ويؤدي إلى دمج إسرائيل في منظومة عربية إسلامية ضد طهران تمهيدا لتطبيع العلاقات مع تل أبيب وتمرير التسوية السياسية بآلية السلام الاقتصادي التي ينادي بها نتنياهو.
وفي المقابل، لم يحمل ترمب معه أية خطة سلام للصراع العربي – الإسرائيلي، واكتفى بمطالبة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بمبادرات.
وسبق وأكد السفير الأميركي الجديد في إسرائيل ديفد فريدمان أن الرئيس الأميركي لن يحمل معه خطة سلام خلال زيارته. وأضاف إلى أنه يريد أولا رؤية الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) يجلسان معا وأن يتحدثا بدون شروط مسبقة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى سلام، فالولايات المتحدة لن تملي عليهما كيف سيعيشان معا".
ولفت السفير الأميركي الانتباه إلى موقف ترمب من الاستيطان، فقال "إن موقفه يختلف كليا عن أوباما، فهو لم يقل إن المستوطنات عقبة في طريق السلام، ولم يقل إنه معني بتجميد الاستيطان، وإنما قال إنه معني بالتوصل إلى تفاهم مع الحكومة الإسرائيلية بشأن كيفية التعامل مع الاستيطان، وأعتقد أن الظروف مختلفة كليا".
وكرر فريدمان سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة بأنها تشجع وتساعد الأطراف نفسها للتوصل إلى اتفاق.
لا خطة محددة
وقد عبر الرئيس الأميركي عن رغبته في عدم طرح الفلسطينيين لشروط للعودة للمفاوضات ودعوتهم لوقف ما يسمى التحريض على إسرائيل وقام بتصنيف حماس كحركة إرهابية مثلها مثل تنظيم الدولة، وطالب إسرائيل بالمقابل بمبادرات حسن نية لاستئناف المفاوضات، إلا أنه تجنب تحديد شكل الحل الذي وافقت عليه الإدارات السابقة والمستند إلى حل الدولتين، كما ورد في كلمة الرئيس الأميركي في مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الفلسطيني.
وسيعمل الرئيس الأميركي على إنجاح مساعيه عبر مبعوثين للمنطقة، رغم أنه من المعروف عنه أنه يمتلك إمكانيات متواضعة في إنجاز تسويات، كما أن له طريقة فجة لا تؤهله لذلك، فضلا عن أنه حديث عهد في السياسة ولا يدرك تعقيدات الصراع، رغم أنه تعهد بالنجاح في ما فشل فيه جميع من سبقوه!
وفي هذا السياق، وتمهيدا لنجاح مساعيه في المنطقة، عمد الرئيس الأميركي إلى تأجيل خطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس مخيبا بذلك آمال اليمين الصهيوني المتحالف مع نتنياهو.
إلا أن الرئيس الأميركي بات مقتنعا بخطوة السلام الاقتصادي بين إسرائيل والعرب، وهي الفكرة التي يتبناها ويدعو لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويتوافق فيها مع اليمين الإسرائيلي المتحالف معه، حيث نجح ترمب في وضع هذه القضية على الأجندة العربية أثناء زيارته للرياض.
ولتعزيز هذا التوجه، فقد يلجأ نتنياهو للاستجابة لمطلب ترمب بمنح تسهيلات للفلسطينيين للفلسطينيين للبناء في مناطق "ج" (الواقعة تحت السيطرة الأمنية والسياسية الإسرائيلية) بالضفة الغربية وتجميد الاستيطان في المستوطنات النائية مقابل إطلاق يد إسرائيل للبناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى.
وتداولت مصادر فلسطينية عن مبادرة سيقدمها محمود عباس للتخلي عن مزيد من أراضي الضفة (نحو 6%) في إطار المبادلة مع إسرائيل بأراض في النقب وذلك لتسهيل عملية التسوية مع إسرائيل واستئناف المفاوضات معها، وهي الفكرة التي لا يمكن التثبت منها في ضوء عدم وجود مخرجات عن اللقاء الذي جمع عباس وترمب في بيت لحم واستغرق ساعة واحدة فقط.
إلا أن الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية سيظل يرتكز على رفض قيام الدولتين في ظل التحالف القائم بين الليكود واليمين الإسرائيلي.
وقالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية تسيبي حوتوبيلي المنتمية إلى حزب البيت اليهودي اليميني المتحالف مع الليكود في الحكومة إلى أنه بناء على القانون الدولي وقرار عصبة الأمم في سان ريمو، فإن غرب الأردن منطقة يجب أن تكون جميعها خاضعة للسيادة اليهودية، على حد زعمها.
بدوره أشار يسرائيل كاتس وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي- الذي يعتبر من رموز حزب الليكود الحاكم- إلى أنه في ضوء احتمالية تجدد المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين فإن أي مباحثات جديدة بين الجانبين يجب ألا تسبقها شروط مسبقة، زاعما أنه لا يوجد في حكومته من يعارض الذهاب لمفاوضات مع الفلسطينيين وفق هذه الرؤية.
وأشار في هذا السياق إلى مبادرته لإقامة جزيرة مائية قبالة شواطئ قطاع غزة تحظى بموافقة المؤسسة الأمنية.
ويظل الحزبان (الليكود والبيت اليهودي) المشكلان للائتلاف الحكومي في الكيان الصهيوني متفقان على استئناف المفاوضات بدون شروط.
كما أن الحزبين متفقان على مبادرة السلام الاقتصادي التي أطلقها نتنياهو، حيث أكد كاتس أن هناك تعاونا بين إسرائيل وأميركا والدول العربية بالمنطقة لمواجهة التدخل الإيراني بسوريا، مشيرا إلى وجود تقدم بين هذه الأطراف مجتمعة لوضع حد لهذا التدخل.
إسرائيل تكسب
وقد نجحت إسرائيل في تسويق السلام الاقتصادي الذي يضعف معنى الحل الفلسطيني أولا، خصوصا وأن عباس ليس في موقع قوي للتأثير على مسار التعاون الإسرائيلي العربي، إذ إنه ليس متحكما في غزة، وقبضته على الأراضي الفلسطينية متراخية ويواجه منافسة من محمد دحلان.
وحاول عباس تأكيد قبضته على كل الأراضي الفلسطينية لتسويق دوره أمام ترمب، حيث قام بقطع الرواتب ووقف المساعدات عن أسر الشهداء والجرحى ووقف تحويل الأموال لتشغيل محطة كهرباء غزة، إلا أنه بقي يواجه اتهامات إسرائيلية بأنه لا يحكم كل الأراضي الفلسطينية.
والأهم من ذلك عدم جدية إسرائيل في إنجاز تسوية، والهروب منها إلى ما يسمى السلام الاقتصادي الذي لا يؤدي إلى حل حقيقي للصراع ويضعف دور الدول العربية في مواجهة التشدد الإسرائيلي.
وإلى أن تنطلق عملية التسوية إن قدر لها ذلك في مشوار طويل لن يحقق شيئا ذا بال، فإن الكيان الصهيوني يكون نجح في حشد التأييد لتشديد الحصار على إيران، بما يجعل العدو يعود إلى الواجهة في مركزية دوره في المنطقة بالنسبة لواشنطن، وهي الأفضلية التي خسرها منذ حرب الخليج الأولى.