تصاعد غضب حقوقيين وسياسيين وإعلاميين وشخصيات عامة وقوى سياسية في
مصر، إزاء إعلان إصدار قانون "الجمعيات الأهلية" الجديد، عبر نشره في الجريدة الرسمية، الإثنين، بعد تصديق رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، عليه.
ووصفت تلك الشخصيات، القانون، بأنه مخالف للمعايير والمواثيق الدولية، مشددة على أنه جاء لتقييد المجتمع المدني أكثر مما هو عليه الآن، وأنه سيكون محلا للانتقاد الدولي، متوقعة أن تكون هناك طعون عليه أمام المحكمة الدستورية العليا.
واستمر القانون، في أعقاب إقرار "مجلس نواب ما بعد الانقلاب" له، دون تصديق من السيسي، طيلة ستة أشهر كاملة، حتى فاجأ الرأي العام، الاثنين، بإصدار "قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي"، برقم 70 لسنة 2017، مؤرخا في 24 أيار/ مايو الجاري.
يعطي القانون مهلة عام واحد للكيانات الممارسة للعمل الأهلي لتوفيق أوضاعها على ضوئه؛ وإلا قضت المحكمة المختصة بحلها، وينص على عقوبات تصل إلى الحبس خمس سنوات وغرامات قد تصل إلى مليون جنيه مصري لكل من يخالفه، كما يحظر على أي جمعية أو مؤسسة؛ إجراء أي دراسة أو استطلاع دون تصريح من الدولة.
ويقضي القانون أيضا بإنشاء "هيئة وطنية" تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية والجيش وجهات حكومية أخرى تتولى بحث طلبات الحصول على تمويل أجنبي ومنح موافقتها عليه مسبقا، كما يتعين على المنظمات غير الحكومية الأجنبية الراغبة بالعمل أن تدفع رسوما قدرها 300 ألف جنيه مصري.
"أسوأ قانون"
وعلقت حركة شباب 6 أبريل، الثلاثاء على القانون بالقول إنه يخالف القوانين الدولية كافة التي وقعت عليها الدولة المصرية، في ضمان حق العمل الأهلي والاجتماعي.
واتهمت الحركة، في تصريح على لسان متحدثها خالد إسماعيل، السيسي، بأنه أقرّ قانونا يعمل على هروب المصريين من العمل الأهلي والتطوعي في البلاد، فضلا عن فرضه شروطا مستحيلة لبدء أنشطة تطوعية تحت مسمي الجميعات الأهلية.
وشدّد على أن القانون هو أسوأ قانون للجمعيات الأهلية منذ بدأ العمل الأهلي في مصر منذ تأسيس أول جمعية أهلية "الجمعية اليونانية في الإسكندرية" عام 1843، وحتى أسوأ من
قانون الجمعيات الأهلية الذي أصدره جمال عبد الناصر رقم 32 لسنة 1964.
وأكد أن القانون أعاد مجددا سيطرة الجهة الإدارية على نشاط الجمعيات الأهلية كليا، وهو ما كان قد فك قيده في القانون الملغي "84 لسنة 2002"، الصادر في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حسبما قال.
"يناقض تعهد السيسي"
وتعليقا على القانون، قال حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (هيئة حكومية): "إن إقرار قانون الجمعيات الأهلية يتناقض مع ما قاله السيسي من قبل حول مراجعة القانون، والتعامل معه بشكل يمكن أن يرضي المجتمع المدني المصري والدولي، لكن هذا لم يحدث".
وأضاف، في تصريحات صحفية، أن هذا القانون "يصنع من المشكلات أكثر مما يحل، نظرا لما به من مواد وبنود توسع من سلطة الإدارة في عمل الجمعيات، والتدخل في شؤونها"، مؤكدا أن القانون مخالف للمعايير والمواثيق الدولية، وسيكون محلا للانتقاد الدولي بشكل كبير.
من جهته، أعلن مدير المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة، ناصر أمين، في تصريحات صحفية، أنه ستكون هناك بالتأكيد طعون على القانون أمام المحكمة الدستورية العليا، مشددا على أنه "لن يصمد هذا القانون المعيب، ولن يقبل الحقوقيون في مصر القانون بشكله الحالي".
وأضاف أنه أيا ما كانت التعديلات التي أجريت على القانون، فإنها سوف تؤدي لإنهاء العمل الأهلي، وسيضع القانون مصر وسط الدول المستبدة في إصدار قوانين العمل الأهلي.
وحذر من أن القانون ستكون له آثار كبيرة في إرباك المشهد الحقوقي والمدني بمصر، وذلك حتى يتم إلغاؤه بواسطة المحكمة الدستورية العليا.
"تصديق بلا لازمة"
ورأى رئيس المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، المحامي الحقوقي نجاد البرعي، أن تصديق السيسي على القانون: "ليس له لازمة".
وأضاف، في تصريحات صحفية: "المجتمع المدني قُضي أمره منذ أكثر من عامين دون الحاجة إلى قانون؛ نظرا للتواجد الدائم لنا عند القاضي للتحقيق، وتلفيق التهم (جنح، وغيرها من الأمور التي تجعلنا نجزم بانتهاء أمرنا)"، حسبما قال.
ومتفقا مع الآراء السابقة، قال نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر، إن الموافقة على قانون الجمعيات الأهلية جاءت مفاجئة.
وأكد في تصريحات صحفية، أن القانون سيجعل الجميعات تحت وصاية الأمن، وسيمنع استقلالها، مشيرا إلى أنه نص على وجود لجنة تنسيقية من شأنها تلقي التمويل الأجنبي، واختيار الشخصيات المرشحة للجمعيات، وبذلك يجعل أغلب الأشخاص الابتعاد عن العمل التطوعي للجمعيات.
المجتمع المدني
ورأى الرئيس السابق للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان محمد أنور السادات، الذي كان متقدما بمشروع قانون للجمعيات الأهلية، أن الكل فوجئ باعتماد السيسي للقانون، دون أي تعديلات، لا في المضمون، ولا في الصياغة، ولا في أي شيء، وهذا عكس ما كان متوقعا، وفق وصفه.
وتابع: "لا نعرف ما دلالة هذا الأمر، وما دلالة توقيت اعتماد القانون والتصديق عليه، وكل هذا يمثل علامات استفهام بالنسبة لنا، وهناك أشياء كثيرة في الأمر لا نفهمها".
وأضاف أن القانون يقتل عمل منظمات المجتمع المدني، وتابع: "لا أعتقد أننا سنرى أي نشاط حزبي أو سياسي أو مجتمع مدني الآن، وإذا وُجد فسيكون للمرضي عنهم أو للذي تريده الدولة وتشجعه"، على حد تعبيره.
"به عوار دستوري"
ومن جانبه، قال رئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية، سعيد عبد الحافظ، إنه كان يتمنى أن يُعيد السيسي القانون إلى مجلس النواب لإعادة صوغه، وتفادي ما به من "عوار دستوري"، ورفض من القانونيين والحقوقيين.
وأضاف، في تصريحات صحفية، أن القانون اعتمد في فلسفته على البعد عن روح نصوص الاتفاقيات الدولية المنظمة للحق في التنظيم، مردفا: "القانون سيُطعن عليه أمام المحكمة الدستورية، وستقضي المحكمة بعدم دستوريته".
وبحسب إحصاء أعلنته السلطات المصرية في آذار/ مارس عام 2016: "يوجد في مصر 47 ألف منظمة وجمعية أهلية".