نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للكاتب جوناثان سباير، حول التنافس الامريكي الروسي
الإيراني في
سوريا، مشيرا إلى أن القوات الأمريكية ضربت في الأسابيع الخمسة الماضية قوات رئيس النظام السوري بشار
الأسد.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الطائرات الأمريكية أسقطت في 18 أيار/مايو مقاتلة سورية، قالت إنها خرقت منطقة من 35 ميلا حددتها الولايات المتحدة في جنوب شرق سوريا، وأطلقت النار مرة أخرى في 8 حزيران/ يونيو و20 حزيران/ يونيو على طائرات مسيرة كانت تقترب من مواقع لحلفائها.
ويستدرك سباير بأنه "مع ذلك، يظل إسقاط الطائرة (سو-22)، الذي حصل بعدما قامت قوات النظام بالهجوم على قوات سوريا الديمقراطية قرب قاعدة الطبقة، يهدد بمواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو، حيث أعلنت
روسيا بعد الحادث نهاية عمليات تجنب الصدام مع القوات الأمريكية، وأنها قررت في المستقبل التعامل مع الطائرات الأمريكية في منطقة غرب نهر الفرات باعتبارها معادية".
ويعلق الكاتب قائلا إن "سوريا تتحول إلى منطقة حرة للجميع، وهناك إمكانية لحدوث توتر جديد بين القوى الإقليمية، خاصة أن الأمريكيين والروس والجماعات الوكيلة لهما، تحاول تحقيق أهداف غير متوافقة، خاصة في مناطق شرق سوريا، التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة المتداعي".
ويتساءل الكاتب: "كيف وصلت الأحداث إلى هذه المرحلة، وماذا سيحدث بعد؟"، ويجيب قائلا إن سوريا مقسمة إلى جيوب قائمة منذ منتصف عام 2012 ، إلا أن سلسلة من الأحداث خلال الـ15 شهرا أنهت حالة الجمود، وفتحت الباب أمام مرحلة خطيرة.
ويبين سباير أن "دخول روسيا الحرب في 15 أيلول/ سبتمبر 2015، أنهى أي إمكانية لتحقيق المعارضة انتصارا ونهاية للنظام، فبدعم مهم من الروس والإيرانيين استطاع الأسد إخراج المعارضة من مدن مهمة، مثل مدينتي حمص وحلب، فيما عزز اتفاق تجميد القتال في مناطق معينة من مكاسبه، ومنحت هذه التطورات النظام القدرة على حرف بعض قواته في الجهود لتأكيد السيطرة على مناطق الشرق، ومن هنا دخل النظام في مواجهة كان غائبا عنها، وهي الحرب بين القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والجهاديين الذين يتراجعون".
ويلفت الكاتب إلى أن "التداخل بين دمشق وطهران في هذه الساحة كان واضحا، حيث ترغب إيران، التي تقوم القوات الوكيلة عنها إلى جانب النظام، بتأمين ممر بري عبر الأراضي العراقية والسورية، في الوقت الذي يريد فيه النظام تعزيز وجوده على الحدود الشرقية، وعليه تتقدم القوات التابعة للنظام من محورين: الأول من مدينة تدمر، والثاني من جنوب حلب، ومن خلال المحور الأخير حدث التصادم الذي أسقط الطائرة، حيث كانت هذه القوات تقترب من المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومن هنا تطور تنافس إرادات، حيث تحاول القوات الموالية للنظام الدخول إلى مناطق تنظيم الدولة، فيما تريد الولايات المتحدة والقوات الموالية لها السيطرة على مناطق التنظيم السابقة".
ويفيد سباير أن "روسيا تعد جزءا أساسيا من اندفاع النظام السوري للشرق، حيث تقدم له الغطاء الجوي، ولديها قوات في مدينة تدمر، وبدا لوهلة أن الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها تملك اليد العليا، ففي منتصف عام 2016، أقامت أمريكا قاعدة في منطقة التنف، حيث قامت القوات الأمريكية الخاصة بتدريب فصائل المعارضة (مغاوير الثورة)، وقد فتح هذا الباب أمام إمكانية تواصل هذه القوى مع قوات سوريا الديمقراطية، ومن هنا ستتعاون معا على ملاحقة وتنظيف منطقة وادي الفرات من بقايا تنظيم الدولة، واستكمال السيطرة على الرقة قبل أن يتمكن النظام من التقدم نحوها".
ويذهب الكاتب إلى أنه "من أجل قتل هذه الإمكانية، فإن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وقوات الأسد والمليشيات الشيعية العراقية قاموا في 9 حزيران/ يونيو بالتقدم نحو الحدود السورية العراقية شمال التنف، حيث قامت بقسم العناصر المدعومة من الولايات المتحدة، ووجد مغاوير الثورة أنفسهم محاصرين على طول هذا الخط، في الوقت الذي كانت فيه قوات سوريا الديمقراطية تخوض معارك مع تنظيم الدولة في الشمال، ولن يستطيع المقاتلون المعارضون كسر الحصار دون دعم من الولايات المتحدة".
وينوه سباير إلى أن "الإعلام الإيراني كان صريحا بشأن النوايا وراء التحركات المفاجئة في المنطقة، حيث نشرت وكالة أنباء فارس، التابعة للحرس الثوري، تقريرا بينت فيه مبررات التحرك، جاء فيه: (تريد الولايات المتحدة ربط شمال شرق سوريا، الذي يسيطر عليه الأكراد، بالجزء الجنوبي الشرقي، ولهذا السبب عززت من تحركاتها في منطقة التنف)، ومضى التقرير للقول إن الجيش السوري وحلفاءه تحدوا (الخط الأحمر) الأمريكي، بالتحرك من أجل إحباط هذه السياسة، وبناء على هذا فإن الحرب، بحسب التقارير الأخيرة، تشير إلى أن الولايات المتحدة ماضية في جهود زيادة قواتها في منطقة التنف".
ويورد الكاتب أن الولايات المتحدة أقامت قاعدة عسكرية لها في الزكف، التي تبعد 50 ميلا شمال شرق التنف، وحركت القوات الأمريكية نظام المدفعية المتحرك للصواريخ "هيمارز" إلى جنوب سوريا ولأول مرة، مشيرا إلى أنه نظام قادر على إطلاق صواريخ مداها 200 ميل، وهو تطور عسكري أمريكي على الأرض السورية.
ويقول سباير: "السؤال المطروح هو إلى أين تسير الأمور؟ وربما خدم إسقاط مقاتلة (سو-22) لتحديد محاور النشاط الجوي الأمريكي والروسي في الأجواء السورية، إلا أن التنافس الحقيقي هو على الأرض، والجائزة هي دير الزور، التي تعد مركز النفط السوري، فهل يعني أن تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأمريكا حول نشاطاتها الجوية في غرب الفرات أن هذه المنطقة يجب أن تكون بالكامل في يد النظام؟ وهل ستوافق الولايات المتحدة على هذا الأمر؟".
ويجد الكاتب أنه "مع أن الروس ليست لديهم اهداف تدفعهم لدعم الطموحات الإيرانية في الشرق السوري، إلا أن سهولة تحقيق الأهداف تعني عدم تحرك بوتين للحد من نشاطات حلفائه، وربما اعتقدت موسكو وطهران أن الأمريكيين غير مهتمين بالمنطقة، وأن واشنطن لن تخاطر لمواجهة خطوط حمراء وضعها آخرون".
ويخلص سباير إلى القول إن "الغائب هنا هو سياسة أمريكية واضحة، فإما أن يقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالواقع الذي تحاول روسيا فرضه من الجو، والذي تحاول إيران فرضه على الأرض، أو أنه يتحرك معارضا ومغيرا الوضع بشكل يفتح المجال أمام مواجهة مباشرة، ولا يوجد في الحقيقة خيار ثالث".