أعاد موت وزير الدفاع السوري السابق،
مصطفى طلاس، ملف
الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، إلى الواجهة مجددا.
وكرّس تولي طلاس، الذي أعلن عن وفاته الثلاثاء الماضي عن عمر 85 عاما، في باريس، منصب وزير الدفاع السوري بين عامي 1972-2004، وهي المدة التي نفذ فيها الجيش السوري مجازر عدة، راح ضحيتها الآلاف من المدنيين في حماة وإدلب وحلب وسجن تدمر، صورته كشخص مسؤول بشكل مباشر عن جزء كبير من هذه الجرائم.
وبالإضافة إلى ذلك يتهم طلاس، بالفساد المالي وكذلك بنهب أموال الدولة، عن طريق تدبير صفقات تسليح فاسدة، مستفيدا من الحصانة التي تحصل عليها من صديقه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والتي جعلته فوق القانون، في دولة لا سلطة قانونية فيها على المنظومة الحاكمة، بحسب مراقبين.
فهل ستطوى بموته كل هذه الملفات، أم أن العدالة لا بد وأن تأخذ مجراها، ولو بعد حين؟
وبغية الوقوف على كل هذه التساؤلات وغيرها، التقت "
عربي21"، رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، المحامي السوري البارز أنور البني، الذي أوضح أن الجرائم ضد الإنسانية التي يتهم بها مصطفى طلاس لا تسقط بالتقادم ولا بموت المدعى عليه.
وبيّن المحامي السوري الناشط في المحاكم الأوروبية، أن الهدف من فتح ملف هذه الجرائم، لا يقتصر على معاقبة المجرم، وإنما بيان الحقيقة للجميع، أي من هي الأطراف المشاركة، وما هي خلفياتها، وذلك لمنع تكرارها مستقبلا.
وعن انعكاسات رحيل طلاس على ملف العدالة في
سوريا، قال البني: "إن المحاكمة قادمة وطلاس سوف يدان هو ومن شارك في جرائم الثمانينيات، لكن لن نستطيع زجه بالسجن".
وحول أسباب تعذر محاكمة طلاس في المحاكم الأوروبية قبل موته، بالرغم من تواجده لفترة طويلة في باريس، بين أن "عدم وجود قضاء دولي مختص في الفترة الحالية، حال دون فتح ملفه وهو على قيد الحياة، وكذلك فإن الفيتو الروسي منع تأسيس أي محكمة دولية مختصة بجرائم النظام السوري، على غرار محكمة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ومحكمة رواندا وغيرها من المحاكم الدولية الأخرى".
واستطرد: "صحيح أن طلاس كان مقيما في أوروبا، لكن الجرائم المنسوبة له تحتاج إلى وجود ضحايا حقيقيين، والقضاء الأوروبي لا يقاضي شخصا على أنه مسؤول سياسي وحتى لو كان وزيرا للدفاع، بل كمجرم ارتكب جرما محددا بوجود ضحية وأدلة محددة".
وتابع: "لا يكفي أن نقول للمحاكم الأوروبية إن الجيش السوري ارتكب جرائم بوجود طلاس على رأسه، بل نحن بحاجة إلى التأكد من توقيع طلاس على سبيل المثال على إعدام سجناء تدمر".
وفي السياق ذاته، رهن البني فتح ملف جرائم مصطفى طلاس في المحاكم الأوروبية، "بالحصول على شهادات حقيقية، وأدلة ووثائق، لبدء محاكمته في فرنسا، أملا في تحقيق العدالة ومصادرة أمواله على الأقل".
وأضاف أنه "في القضاء الجزائي الفرنسي العادي فإن موت المتهم يوقف الملاحقة الجزائية ويطوي الملف القضائي ويبقى للمتضرر مراجعة القضاء المدني للمطالبة بحقوقه، لكن في الجرائم ضد الإنسانية فإن المقاربة تختلف وموت المتهم بارتكابها لا يمكن أن يطوي ملف العدالة، لأن هدف فتح ملف العدالة يختلف بهدفه عن العدالة للجرائم العادية".
وختم قائلا: "العدالة في سوريا لن تتحقق إلا على يد السوريين، ولن يفلت أحد من العقاب، ولا يجب التعويل في ذلك لا على محكمة الجنايات الدولية ولا على المحاكم الأوروبية أو غيرها".