العالم كله بات يدرك أن المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول التي تحاصر
قطر شرطاً لرفع الحصار عنها؛ هي مطالب يُراد رفضها لتكون مبرراً للتصعيد، وذريعة لفرض المزيد من القيود والتضييق على قطر وأهلها. بل يمكن تلخيص هذه المطالب بكلمة واحدة هي "الانبطاح"، خاصة أن المطالب التي تم تقديمها هي أقرب إلى أماني، لطالما تمنّت الدول المحاصرة تحقيقها ولو في أحلامها. والدوحة تدرك أن استجابتها لهذه المطالب تعني أن قطر التي يعرفها العالم انتهت، وباتت دولة أخرى مُلحقة تابعة، لا قرار لها ولا إرادة ولا موقف، اللهم إلا ما يصدر عن الدولة أو الدول التي تتبع لها.
لكن السؤال: على فرض أن قطر استجابت للمطالب التي قُدمت إليها، هل ستكتفي دول الحصار بمطالبها؟ وهل رضوخ الدوحة لهذه المطالب الثلاثة عشر يعني أن قطر باتت على السكة المطلوبة، وأنها باتت من المرضي عنها؟ وهل سيكون ذلك كافيا كي يتم رفع الحصار المفروض عليها؟ فما الضمان بأن لا تستغل دول الحصار رضوخ الدوحة لمطالبها كي تضيف مطالب أخرى، ستكون على الأرجح أكثر تعجيزاً ولا منطقية؟
ما يبرر هذا الافتراض هو أن دول الحصار خلال حملتها الإعلامية الشعواء التي تشنها على الدوحة، تطرقت إلى قضايا غير مدرجة في لائحة مطالبها. أبرز هذه القضايا هي اتهام الدوحة بدعم حركة
حماس، وإيواء قياداتها، وتنفيذ عدد من المشاريع وبناء مدن سكنية في قطاع غزة. ليس من المفهوم السياق الذي تأتي به هذه الاتهامات، فدول الحصار لم تتطرق في مطالبها إلى حركة حماس، ولم تطالب الدوحة بقطع العلاقة معها، والحركة غير مدرجة على لوائح إرهاب دول الحصار، فلماذا يتم اعتبار المساندة التي تقدمها الدوحة لقطاع غزة وحركة حماس بأنها مسلبة يجب على الدوحة التوقف عنها؟ ولماذا يتم شمل قادة حماس بالشخصيات التي تصنفها دول الحصار بأنها إرهابية؟ ما يزيد في الحيرة، التصريح الذي خرج من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، على هامش زيارته إلى العاصمة الفرنسية باريس، حين اختصر الأزمة الخليجية بالقول: "لن يرفع الحصار عن قطر إلى أن تتوقف عن دعم جماعات مثل حماس والإخوان".
نفهم أن يتحدث الجبير عن وقف دعم الإخوان، فالإخوان تم إدراجهم على لائحة إرهاب دول الحصار، ووقف دعم الإخوان مطلب أدرج ضمن المطالب الثلاثة عشر. لكن ماذا عن حماس؟ لماذا يطفح كيل عادل الجبير ومن ورائه دول الحصار الأربع بسبب دعم الدوحة لحماس؟ وإذا كان الجبير ومن وراءه؛ يعتبر حماس إرهابية، فلماذا لم يتم إدراجها في لائحة المنظمات
الإرهابية؟ وهل للدول التي تحاصر قطر لائحة أخرى بالمنظمات والشخصيات الإرهابية لم يتم الإفصاح عنها؟!
ليس تشاؤماً، لكن الاستنتاج المنطقي هو أن قرار إدراج حماس على لائحة المنظمات الإرهابية الخليجية مُتخذ مسبقاً، لكن الإعلان عنه لم يحن بعد. ما يدعم هذا الاستنتاج هو ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام من انتشار هاشتاغ "#سعوديون_مع_التطبيع"، كذلك التصريحات المتواترة من المسؤولين الإسرائيليين عن العلاقة الإيجابية التي باتت تربط تل أبيب ببعض دول خليج لتشكيل حلف سني إسرائيلي، وانكشاف مشاركة دولة
الإمارات بمناورات عسكرية إلى جانب إسرائيل في اليونان. كل ذلك يشير إلى أن علاقة دول الحصار مع إسرائيل ستشهد في المرحلة المقبلة انفراجات، ومن الطبيعي أن أي تقارب بين هذه الدول مع إسرائيل يعني في المقابل تباعد مع قوى المقاومة الفلسطينية وفي مقدمها حماس.
ربما يجد البعض أن الإعلان عن إدراج حركة حماس على لائحة الإرهاب أمر مستبعد وغير منطقي. فإن تمتنع دول الحصار عن دعم حماس والمساهمة في حصارها وتضييق الخناق حول أهلها في غزة، لا يعني أبداً أن تصل الأمور إلى حد شيطنتها واعتبارها منظمة إرهابية. لكن من يتجرأ على إدراج جميعات الخير القطرية على لوائحه الإرهابية لن يجد مانعاً من إدراج حركات المقاومة الفلسطينية.
هي مسألة وقت فقط ربما لن يكون بعيداً، خاصة أن إدراج حماس على لوائح الإرهاب سيُقابل بتهنئة من دونالد ترامب وبعض الدول الغربية، وسيدفع بنيامين نتنياهو إلى الضحك حد القهقهة.