نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا للصحافي ياروسلاف تروفيموف من
وادي النعم في
النقب جنوب
فلسطين المحتلة، يقول فيه إن هذه القرية المؤلفة من بيوت الصفيح، التي يعيش فيها خمسة آلاف شخص والمطلة على ناطحات السحاب في بئر السبع قرية غير موجودة رسميا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هناك مثل هذه القرية 45 قرية "غير معترف بها"، موزعة في المنطقة، ويقطنها حوالي نصف
بدو صحراء النقب، البالغ عددهم 240 ألف شخص، لافتا إلى أن عدا عن المدارس الحكومية، فإنه لا تصلهم أي خدمات تقريبا، فليس هناك مواصلات عامة ولا كهرباء ولا مجاري ولا ماء.
ويورد الكاتب نقلا عن الحكومة
الإسرائيلية، قولها إن الأماكن مثل وادي النعم هي عبارة عن قرى غير قانونية، أقيمت على أراض حكومية، ويتم هدمها بشكل مستمر، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى إلى نقل البدو إلى بلدات تم بناؤها خصيصا لهم في مناطق قريبة.
وتستدرك الصحيفة بأن بدو النقب، وهم عرب مسلمون يحملون الجنسية الإسرائيلية، يقولون إنهم يمتلكون حقوقا عرفية لأراضي أجدادهم، حيث يقول شيوخ العشائر إنهم يفضلون البقاء في أكواخهم على الانتقال إلى بلدات مكتظة.
وينقل التقرير عن رئيس مجلس القرى غير المعترف بها في النقب عطية الأعسم، قوله: "كنا هنا أولا، لكن الحكومة تريد أن تحصرنا في أصغر مساحة من الأرض، ومعظم البدو يريدون أن يكونوا جزءا من الدولة ولكن الدولة تدفعهم خارجا".
ويلفت تروفيموف إلى أن الاستياء يسود في المجتمع البدوي، الذي ينمو بشكل سريع، حيث أن هذا الصراع، بالإضافة إلى انتشار الإسلام الأكثر محافظة، وارتفاع مستوى البطالة والجريمة، يخلق توترات في جنوب إسرائيل، مشيرا إلى مقتل أستاذ وشرطي عندما جاءت الشرطة الإسرائيلية لتهدم البيوت في قرية أم الحيران غير المعترف بها في كانون الثاني/ يناير.
وتنقل الصحيفة عن يوسف الزيادين، وهو أحد قيادات وادي النعم، قوله في الوقت الذي كان يقف فيه أمام جدار عليه إعلانات للحج إلى مكة بالإضافة إلى صور لجيفارا: "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فستكون هناك انتفاضة في النقب".
وينوه التقرير إلى أن بدو النقب -الذين كانوا رحلا في السابق، لكنهم الآن أصبحوا مستقرين بشكل كبير- يشكلون ثلث سكان النقب تقريبا، ويتحدثون لهجة عربية تختلف عن لهجة الفلسطينيين الذين يعيشون إلى الشمال، ولهم علاقات قبلية مع بدو الأردن والسعودية وبدو سيناء المصرية.
ويفيد الكاتب بأن "هناك مشكلات شبيهة في سيناء، تتعلق بالإهمال والتمييز من الحكومة المصرية، ما أدى إلى تمرد تم اختطافه من تنظيم الدولة، ولم يستطع الجيش المصري القضاء عليه".
وتورد الصحيفة نقلا عن عضو الكنيست الوحيد من بدو النقب ورئيس البلدية السابق في بلدة عرعرة، طالب أبو عرار، قوله إن سيناريو مشابها قد يتكرر في النقب، وأضاف أبو عرار: "إن إهمال الحكومة المصرية، وفشلها في إعطاء الحقوق الكاملة للبدو، دفعا بالبدو نحو العنف.. وقد حذرت الحكومة هنا مرارا بأن استمرار سياستها بعدم التعامل بعدل مع البدو سيتسبب أيضا بعدم استقرار، وسيجعل البدو ينتفضون".
وبحسب التقرير، فإن هناك الكثير من البنادق لتكفي الجميع في المنطقة، فجدران المدرسة في رهط، وهي كبرى البلدات البدوية في النقب، مغطية بالكتابة التي تحث الناس على تجنب إطلاق النار من بنادق الكلاشنكوف في الهواء في الأعراس؛ لأن الرصاص قد يؤذي وقد يقتل عندما يعود للأرض.
ويقول أبو عرار إن الجريمة العنيفة وتهريب المخدرات منتشران؛ بسبب إهمال الشرطة الإسرائيلية، "فما دمنا نستخدم البنادق لقتل بعضنا، فإن الأمر لا يهمهم، وسيقلقون فقط إذا استخدمت البنادق ضد اليهود".
وينقل تروفيموف عن الوزير المسؤول عن السياسة تجاه البدو أيوب قرا، قوله إن السياسيين القوميين العرب، مثل أبو عرار، هم المسؤولون بشكل أساسي عن التوتر في المنطقة، ويضيف قرا: "إن مصلحتهم هو عدم التوصل إلى حل.. يستخدمون الديمقراطية لخلق صراع؛ لأنه عندما يكون هناك صراع بين البدو وإسرائيل فإنهم يحصلون على دعم (الناخبين)".
ويعلق قرا على وضع القرى غير المعترف بها، قائلا إنه ليس للبدو حق قانوني فيها، ويجب عليهم الانتقال إلى السكن الذي توفره الحكومة لمجتمعاتهم، ويضيف قرا: "إنهم يعرفون جيدا أنهم مجرمون، يعرفون الحقيقة.. فطيلة الوقت هم يتنقلون، وبالنسبة لهم فإن كل خمس أشخاص هناك قرية، وهذه مشكلة، نحن نعيش الآن في عالم مختلف، ونحتاج إلى مراكز ومدن لنستطيع توفير الخدمات".
وتبين الصحيفة أن بدو النقب عندما كانوا يعيشون تحت حكم العثمانيين ثم البريطانيين، قبل قيام إسرائيل في 1948، لم يحصل في العادة على قواشين تسجيل أراضي؛ ليتجنبوا دفع الضرائب.
ويشير التقرير إلى أنه خلال الحرب التي أفرزت إسرائيل، فرّ حوالي 90% من البدو الذين كانوا يعيشون في النقب، وذهب معظمهم إلى الأردن، ولم يسمح إلا لحوالي 10 آلاف بالبقاء في النقب، معظمهم من العشائر التي صنفها اليهود بأنها متعاونة، وسمح لهم بالعيش فقط في بئر السبع في منطقة سميت السياج، وأعلنت بقية النقب منطقة عسكرية محظورة.
ويقول الكاتب إنه "حتى حوالي عقدين سابقين، كان من الطبيعي أن يشارك أبناء البدو متطوعين في الجيش الإسرائيلي، وهو أمر قليل ما يحدث في صفوف المجتمعات العربية المسلمة في مناطق أخرى من إسرائيل، وهذه الأيام أصبحت الخدمة العسكرية نادرة لبدو النقب أيضا، وهذا الأمر صحيح بالذات في القرى غير المعترف بها، مثل وادي النعم، حيث يتم تجريف البنايات باستمرار من الشرطة الإسرائيلية".
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى قول الزيادين: "أحد أبناء قريتنا وصل رتبة ضابط وبعدها هدم بيته ولم يستطع حمايته.. لا أحد يذهب للجيش هذه الأيام.. ولا حتى شخص واحد".