نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافي ديفيد كون، يكشف فيه عن الطريقة التي تستخدم فيها مملكة
البحرين الرياضة لتبييض صفحتها أمام الرأي العالمي، وكيف تخفي من ورائها عمليات التعذيب للمعارضة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى فريق سباق الدراجات "بحرين ميريدا"، الذي شارك أفراده في سباق دراجات فرنسا "تور دو فرانس"، مع أن قائد الفريق إيون إزاغير خرج من السباق في اليوم الأول، إلا أنه أصبح اسما معروفا في عالم سباق الدراجات بعد مشاركة النجم فينسنزو نابيلي في سباق غيرو دي لاتاليا.
ويذكر الكاتب أنه تم الإعلان عن الفريق في كانون الثاني/ يناير، وهو عبارة عن مبادرة قيمتها 13.7 مليون جنيه إسترليني، أشرف عليها الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة؛ "من أجل الترويج للدولة الديكتاتورية التي تعاني من مشكلات، من خلال الارتباط بالمناسبات الرياضية التلفازية".
وتلفت الصحيفة إلى أن من بين هذه المناسبات الرياضية مسابقة السيارات "فورمولا وان"، التي تعد من أهم المناسبات الرياضية في البحرين، والتي تمنح المملكة الجذب والاهتمام اللذين تطمح إليهما، مشيرة إلى أن الشيخ ناصر أنشأ فريق "بحرين إنديورانس 13" الثلاثي -دراجات وجري وسباحة في عام 2015؛ بهدف دعم القيم الرياضية، ولاعتقاده أنه من خلال دعم الرياضات الثلاث، فإنه "يمكن للناس التمتع بحياة أفضل"، حيث يرتدي القميص البحريني الآن البريطاني الحاصل على الميدالية الذهبية في الأولمبياد أليستر براون لي من بين الرياضيين الدوليين.
ويورد التقرير أنه بالإضافة إلى اهتماماته الرياضية، فإن الشيخ ناصر، الذي يحمل رتبة جنرال في الجيش البحريني، يقود الحرس الملكي، مع أنه ليس عضوا في الحكومة ولا في مجلس الوزراء، الذي عين له الملك حمد 12 عضوا من عائلة آل خليفة.
ويفيد كون بأن الشيخ ناصر يعد من المتحمسين للرياضة، ويحتل معظم المواقع البارزة في عدد من مؤسسات الرياضة البحرينية، بما فيها رئاسة اللجنة الأولمبية، وفي 11 أيار/ مايو استقبلته الفيفا في اجتماع مجلسها، الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة، حيث شكره رئيس الفيفا جيانو إنفانتينو لعقد المؤتمر "في بلدكم الجميل"، وقال الشيخ ناصر في كلمته إن استضافة مجلس الفيفا "يمنح بعدا لرؤيتنا الوطنية لأن نكون جزيرة تستضيف وتدعم وتنظم وتطور وتشارك في نجاح الحركة الرياضية العالمية، ودعونا نوسع المشاركة، ونحول الرياضة إلى محفز حقيقي للتنوع والتسامح والتميز".
ويقول الكاتب إن "صحيفة (الغارديان) قابلت في اليوم التالي عددا من الناس الذين عانوا الضرب والتعذيب خلال سنوات الاضطهاد على يد حكام البلد، وقالوا إن الآلاف من الناس الذين اتهموا بالتحريض ضد النظام في السجن الآن في الجزيرة الصغيرة، التي يسكن فيها 600 ألف نسمة، يشكو الشيعة من التمييز ضدهم في مجال العمل والسكن، وتخشى الحكومة من تأثير إيران السياسي والديني، وردت على حملة تدعو للديمقراطية بحملة
قمع شرسة".
وتذكر الصحيفة أنه على بعد أميال عدة عن طريق الشيخ خليفة بن سلمان وفندق الخمس نجوم المحاط بحراسات شديدة، هناك بلدات يقطنها الشيعة، مثل ديراز، التي تعد المعقل الرئيسي للاحتجاجات، حيث تقف أمامها دبابات وعربات شرطة.
وينوه التقرير إلى أنه "في ذلك اليوم، 12 أيار/ مايو، كان الملك حمد والشيخ ناصر في إنجلترا، حيث استضافتهما الملكة في سباق الخيول في وينزر، حيث يدعم الملك حمد مناسبتين رياضيتين، ويقدم الجائزة الكبرى و(كأس الملك)، وفي الوقت الذي كانت فيه الملكة ترحب بالملك ونجله وكان نيبالي يشارك ويقطع الألب في إيطاليا، هاجمت قوات الشرطة بلدة ديراز، وانتهت الأزمة بحظر الحكومة بحسب الوفاق الشيعي، وتجريد المرجعي آية الله عيسى القاسم من جنسيته البحرينية، حيث اتهم بغسل الأموال والتحالف المعادي مع إيران ضد المملكة".
وينقل كون عن الخبراء الذين عينهم مكتب مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، قولهم إن الشرطة البحرينية استخدمت "القوة المفرطة والفتاكة لتفريق المحتجين"، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص، وهو ما شجبته المفوضية ووصفته بأنه غير قانوني، لافتا إلى أنه جرح العشرات واعتقل 280 شخصا، وتم حل جمعية العمل الوطني الديمقراطي "وعد" بعد ذلك في 31 أيار/ مايو.
وقال خبراء مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إن وضع حقوق الإنسان شهد "تدهورا حادا في البلد خلال العام الماضي"، وأشارت المفوضية إلى تضييق مجال حرية التعبير والتجمعات السلمية وتكميم الأفواه، وقالت المفوضية إن السلطات لجأت إلى الإجراءات القاسية للحد من الآراء المعارضة، مثل التعذيب، والاعتقال العشوائي، والتجريد من الجنسية، والمنع من السفر، والاستفزاز مثل التهديد بالقتل.
وتورد الصحيفة أنه في عام 2011 تم نقل "غراند بري" من البحرين؛ بسبب أحداث ساحة اللؤلؤة في المنامة، وعاد من جديد عام 2012، ولا يزال يمنح البلد تميزا، مشيرة إلى أن لجنة التحقيق البحرينية المستقلة التي شكلتها الحكومة وجدت أن قوات الأمن أفرطت في استخدام القوة غير المبررة، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا، وقتل 8 آخرين نتيجة لاستخدام الغاز المسيل للدموع.
ويشير التقرير إلى أن الشيخ ناصر دعا في أثناء عملية القمع إلى معاقبة الرياضيين الذين شاركوا في التظاهرات، وأصدر أوامر في 4 نيسان/ أبريل عبر التلفزيون قال فيها: "لتسقط الجدران على من يطالب بسقوط النظام، ومن ثبت تورطه في هذا الموضوع وشبكاته فإنه سيعاقب، سواء كان هو أو هي رياضيا، سياسيا.. اليوم هو يوم الحساب، والبحرين جزيرة ولا مهرب منها".
ويلفت الكاتب إلى أن الشيخ ناصر طلب بعد أسبوع من لجنة التحقيق القيام بملاحقة الرياضيين الذين شاركوا في التظاهرات ومعاقبتهم، حيث كان رئيس لجنة التحقيق البحرينية المستقلة هو الشيخ سلمان إبراهيم الخليفة، وهو عضو من العائلة الحاكمة ورئيس اللجنة الآسيوية لكرة القدم، ورشح نفسه لرئاسة الفيفا، وجاء ثانيا بعد إنفانتينو.
وتورد الصحيفة أن الشيخ سلمان والممثلين عنه أكدوا أن اللجنة لم تشكل أبدا، ولم يترأسها الشيخ، ولم يشارك في تحديد الرياضيين للمعاقبة، مستدركة بأن لجنة الكرة البحرينية أعلنت أنها ستعاقب لاعبين ونوادي، ليس لمشاركتها في التظاهرات، لكن لخرقها الشروط المطلوبة، حيث تم اعتقال 150 رياضيا، الذين تم سجنهم، ومنعوا من المشاركة في المباريات الرياضية؛ بسبب مشاركتهم في التظاهرات المؤيدة للديمقراطية.
وينوه التقرير إلى أن تقريرا صدر في حزيران/ يونيو عن المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في برلين، قال إن شخصين قدما مزاعم تعرضهما للضرب على يد الشيخ ناصر أثناء تظاهرات عام 2011، وهما من ضمن 14 شخصا حكمت عليهم محكمة عسكرية في حزيران/ يونيو 2011 بالسجن لفترات طويلة.
وردت الحكومة البحرينية على ما ورد في تقرير المركز الأوروبي، ورفضت ما ورد فيه، مؤكدة أن الشيخ ناصر لم يشارك أبدا في التظاهرات، وأخبر ممثلون عنه صحيفة "الغارديان" أن مزاعم مشاركته في التعذيب والضرب غير صحيحة.
ويقول كون إن أحد ضحايا التظاهرات في البحرين عام 2011 قدم طلبا للمحكمة في
بريطانيا، وطالبها بمحاكمة الشيخ ناصر، حيث تم تمرير ملف الدعوى لوحدة جرائم الحرب في الشرطة البريطانية، إلا أن المدعي العام قال إنها لا تقوم بالتحقيق، منوها إلى أن الضحية ومحاميه يطالبان بمنع الشيخ ناصر من دخول بريطانيا، وقال ممثل الشيخ إنه لم تتخذ أي إجراءات قضائية ضد موكله.
وبحسب الصحيفة، فإن منظمتي "أمنستي إنترناشونال" و"هيومان رايتس ووتش"، اللتين انتقدتا قمع البحرين، وصفتا استخدام البلد الرياضة لتلميع صورتها بأنه عملية "غسل" صورة البلد، لافتة إلى أن البحرين، مثل بقية دول الخليج، تفكر بمستقبل دون نفط، ولهذا طورت خطة 2030، التي تقوم على تشجيع السياحة.
ويكشف التقرير عن أن فريق "بحرين ميريدا" حظي بدعم عدد من الشركات البحرينية، بما في ذلك "ممتلكات" الصندوق السيادي ومجلس التنمية البحريني، الذي يروج لصورة البحرين، ويصفها بأنها "وجهة رياضة السيارات في الشرق الأوسط".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول الباحث المتخصص في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة في "هيومان رايتس ووتش" نيكولاس ماكغيهان: "سيعطي فريق الدراجات أقصى حد من الظهور وبكلفة قليلة، ومشكلة البحرين وهي تحاول تبييض صورتها أنها بحاجة لتغطية الكثير، في ضوء تاريخها الدموي الحديث، وتدهور وضعها".