نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، تقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب أوقف البرنامج السري لإمداد مجموعات
الثوار السوريين بالأسلحة والأموال.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مسؤولين أمريكيين وصفوا هذه الخطوة بأنها إقرار من الإدارة بفشل تلك الجهود في إسقاط رئيس النظام السوري بشار
الأسد، حيث جاء هذا القرار قبل شهر من الآن، بحسب المسؤولين، فتباطأت الجهود لإيصال الأسلحة وقتها، لافتا إلى أنه لم يتم التصريح عن ذلك، كما لم يتم التصريح عن بدء العملية قبل أربع سنوات؛ لأنها عملية سيئة من الناحية الرسمية، صادق عليها الرئيس باراك أوباما، من خلال إيجاد مبرر يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية بالقيام ببرنامج يمكن إنكاره، لكن أخبار البرنامج تسربت بسرعة.
وتعلق الصحيفة قائلة إن البرنامج الذي وصل إلى طريق مسدود قد انضم لجهود أخرى سعت لإيصال السلاح والمال لثوار يسعون للإطاحة بحكومات تبغضها واشنطن، كان أشهرها الجهود التي بذلتها إدارة كيندي للإطاحة بفيديل كاسترو في كوبا، مرجحة أن يلقى هذا القرار، الذي لم يعلق عليه البيت الأبيض، ترحيبا من
روسيا، التي يدعم جيشها حكومة الأسد، وتهاجم دون كلل بعض مجموعات الثوار، تحت شعار الحرب على الإرهاب.
ويلفت التقرير إلى أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اتهم يوم الثلاثاء الولايات المتحدة بأنها ساعدت على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وصور إيران على أنها تدافع فقط عن مصالحها، في الوقت الذي ترى فيه واشنطن أن مساعدة إيران للأسد هي جزء من محاولاتها لإعادة فرض نفسها بصفتها قوة إقليمية رئيسية.
وتفيد الصحيفة بأنه كانت هناك شكوك منذ البداية بخصوص إمكانية نجاح تسليح مجموعات غير منظمة ومفككة من الداخل، وكان المسؤولون في إدارة أوباما يعتقدون بأنه لا يمكن التنبؤ بولاءات تلك المجموعات التي تسلمت أسلحة أمريكية، بالرغم من إجراء عملية تدقيق، مشيرة إلى أن هذه المشكلة -إيصال السلاح إلى المجموعات الصحيحة، بحيث لا تنتهي في أيدي الجماعات التي تحارب أمريكا- شكلت عقبة كبيرة أمام مقترح هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة خارجية حينئذ، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد باتريوس وقتها.
وينوه التقرير إلى أن صحيفة "واشنطن بوست" كانت أول من نقل خبر قرار ترامب، لكن سبق ذلك قول إدارة ترامب في شهر نيسان/ أبريل بأن الإطاحة بالأسد، الذي خاضت حكومته حربا أهلية، أدت إلى مقتل حوالي نصف مليون شخص، لم تعد أولوية، وبدلا من ذلك، فإن أمريكا وروسيا تقومان بالتفاوض حول مناطق وقف إطلاق نار في
سوريا، بدأ أولها هذا الشهر.
وتبين الصحيفة أن تلك المفاوضات كانت ممكنة لشعور الأسد بالأمان، مدعوما من موسكو وطهران، بحيث لا يرى تهديدا لبقائه في السلطة، حيث كان قرار ترامب بمثابة إقرار بأن عدم تصعيد البرنامج الذي بدأ عام 2013، بالتعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية والسعودية وتركيا والأردن، سيؤدي في الغالب إلى نتيجة مختلفة.
ويذكر التقرير أن هدف البرنامج كان جلب الأسد لطاولة التفاوض، في سلسلة مفاوضات أخذها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، على عاتقه في أواخر عام 2015، إلا أن اتفاقيات وقف إطلاق نار وتحديد وقت للتوصل إلى خارطة طريق سياسية للانتخابات في البلاد كانت تنتهي إلى الفشل، منوها إلى أن كيري كان منزعجا جدا من أن أوباما لم يكن مستعدا لتوفير الضغط العسكري اللازم على الأسد لدعم تحركاته الدبلوماسية، أما أوباما نفسه فكان حذرا من دخول حرب شرق أوسطية جديدة، لا يستطيع توقع نتيجتها أو التحكم فيها.
وتستدرك الصحيفة بأن ما قلل من أهمية هذا البرنامج هو تعزيز الروس من وجودهم العسكري في سوريا، واستهداف الثوار، متسببين بإضعاف الثوار الذين تدعمهم أمريكا، الذين كانوا الأقدر بين قوى المعارضة، وهو ما ساعد قوات الأسد على استرجاع بعض الأراضي وتعزيز مكاسبها.
وينقل التقرير عن المحلل المتخصص في سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشارلز ليستر، قوله: "هذا أمر كبير، لكنه كان متوقعا لفترة طويلة.. إنه أكبر مؤشر إلى الآن عن تخلي الإدارة عن المعارضة"، وأضاف ليستر: "لقد كانت الجبهة الجنوبية الشريك الأكثر اعتمادا ضد الأسد، بالإضافة إلى أنه نتيجة ضغط الأردن، حيث كانت عمان تدفع باتجاه التجميد لفترة طويلة، فربما كانت تلك النتيجة محتومة، لكن بغض النظر عن ذلك فإنها كانت مهمة جدا"، لافتا إلى أنه يرى أن هذه الخطوة "خطأ كبير".
وتورد الصحيفة نقلا عن خبراء مستقلين، قولهم إنه من غير الواضح بالنسبة لهم إن كان قرار ترامب سيؤثر على المقاتلين الذين يدافعون عن مناطق تحت سيطرة المعارضة، حيث كان البرنامج في أوجه يدار من غرف عمليات في الأردن وفي تركيا، ويدعم مجموعات الثوار المنضوية تحت راية الجيش السوري الحر، الذي اعتبر مقاتلوه غير متطرفين.
ويستدرك التقرير بأن الضغط على الأسد لم يكن كافيا ليجعله يدخل المفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية، ولم يكن كافيا لفتح الطريق أمام مجموعات الثوار للسيطرة على مدن رئيسية، أو الاقتراب من العاصمة دمشق، لافتا إلى أن البرنامج سعى لتقوية الثوار المعتدلين ضد الفصائل المتطرفة، كتلك المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وتقول الصحيفة: "عندما يكتب تاريخ هذا الجهد، وعندما يرفع الحظر عن الوثائق، سيسعى المؤرخون، دون شك، لمعرفة سبب خسارة الثوار للأرض طيلة الوقت لصالح قوات الحكومة السورية والروس والإيرانيين، وليس للمتشددين، وأصبح واضحا بعد طرد الثوار من الشق الشرقي لحلب العام الماضي، أنهم لم يعودوا يشكلون خطرا على حكم الأسد".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن وقف البرنامج السري الذي كان يساعد الثوار بالقرب من الحدود التركية في الشمال والحدود الأردنية في الجنوب لن يؤثر في الحرب ضد جهاديي تنظيم الدولة في الشرق، حيث يدير البنتاغون برنامجا آخر يدعم مليشيا عربية كردية تعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية.