كتبت روبن رايت مقالا في مجلة "نيويوركر"، عن استمرار حالة الجهل التي يعاني منها الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، مشيرة إلى أن حصيلته من العلم في هذا الشأن لم تتغير بعد ستة أشهر من الحكم، فهي مثلها عندما أقسم لتسلم منصب الرئاسة في كانون الثاني/ يناير 2017.
وتبدأ رايت مقالها بالإشارة إلى ماكس بوت، من مجلس العلاقات الخارجية والمحافظ المخضرم، الذي قدم النصح لثلاثة مرشحين رئاسيين جمهوريين في مجال السياسة الخارجية، وتقول إنه يحتفظ بملف على جهاز حاسوبه عنوانه "ملف حماقات ترامب"، وإلى جانبه ملف آخر تحت عنوان "ملف أكاذيب ترامب"، ولا يعرف حتى الآن أيهما أضخم، لكنه يعتقد أنهما متساويان في الحجم.
وتنقل المجلة عن ثمانية مسؤولين في الإدارة السابقة، قولهم إنهم يشعرون بالذعر؛ لأن الرئيس لا يزال "أحمق فيما يتعلق بالعالم"، و"يبدو جاهلا كما كان في 20 كانون الثاني/ يناير"، كما يقول بوت، ويرى المسؤولون السابقون أن عثرات ترامب العامة هي مؤشر على أنه لا يقرأ أو يخزن المعلومات، أو حتى يستمع للتقارير الرئاسية، ولم يعد الحديث على أنه مستجد في السياسة مقبولا.
وتورد الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن جيفري كيم، الذي عمل في البنتاغون لجيرالد فورد، وفي مجلس الأمن القومي لريغان، قوله: "يتميز ترامب بجهل مثير للخوف حول العالم والتاريخ، ودور أمريكا السابق، وما فكر به الرؤساء السابقون وعملوه"، ويضيف: "يرفض بجد أي معرفة عميقة حصل عليها السابقون له في النهاية أو فكروا بها".
وتقول رايت إن "النقد لترامب بين الديمقراطيين الذين خدموا في مواقع في مجلس الأمن القومي متوقعة ومنتشرة، إلا أن الجمهوريين، الذين يعدون من الناحية التاريخية طموحين من ناحية السياسة الخارجية، يشعرون بالألم بسبب تعثر ترامب وتصريحاته المضللة، بالإضافة إلى مسؤولي الاستخبارات السابقين الذين تجنبوا انتقاد الرؤساء حتى الآن".
وتنقل المجلة عن الجنرال المتقاعد بأربع نجوم والمدير السابق للاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" ووكالة الأمن القومي مايكل هايدن، قوله: "للرئيس فهم قليل بالسياق"، وأضاف: "اهتمام أقل بالأشخاص الذين يريدون التحدث عنه"، ووصفه بأنه "قليل الصبر، والمتعجل لاتخاذ القرارات، والميال للتحرك، وكله متعلق بالحاضر، وعندما سئل عما يحدث في العراق؟ أجاب: في عام 632.."، وهو العام الذي توفي فيه النبي محمد، وبدأ الخلاف حول الخلافة -السنة والشيعة- وعلق هايدن مضيفا أن ترامب "لا اهتمام له بالعالم".
وتعلق الكاتبة قائلة: "لقد سألت كبار المسؤولين الأمنيين من الحزب الجمهوري ممن عملوا في ثماني إدارات، عما يفكرون حول ما يجب على الرئيس فهمه لينجح على المسرح الدولي، وقدموا إجابات متعددة: فهم حقيقة أن
روسيا ليست صديقة لأمريكا، لا تهمش الأوروبيين أكثر؛ لأنهم أصدقاؤنا، شجع حقوق الإنسان، وهو المبدأ التأسيسي للهوية الأمريكية، ولا تزر أولا الدول التي تقوم بقمعها مثل بولندا والسعودية، وافهم مشروع كوريا الشمالية النووي، الذي لا يمكن حله من خلال التعامل مع
الصين، التي لا تريد أو لا تستطيع حل المشكلة، وافهم أن الحلول العسكرية لها حدودها، بالإضافة إلى أن الخروج من معاهدات ريادية، مثل معاهدة الشراكة مع دول الباسيفيك، سيعزز من اقتصاد الصين، ويؤمن تأثيرها العالمي ودون تميز أمريكي، وتوقف عن البلطجة تجاه نظرائك، وأن يضع قضية تدخل روسيا في الانتخابات وراء ظهره، ويتعاون مع التحقيق، بدلا من محاولة نزع المصداقية عنه".
وتشير المجلة إلى أن آخر تخبطات الرئيس حدثت في 25 تموز/ يوليو، أثناء ظهوره مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في "روز غاردن" في البيت الأبيض، حيث قال: "لبنان يقف على الخطوط الأمامية في القتال ضد تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وحزب الله".
وتعلق رايت قائلة إن حزب الله مشارك في الحكومة منذ فترة طويلة، بألإضافة إلى أن الرئيس اللبناني ميشيل عون متحالف مع الحزب منذ أكثر من عقد، مشيرة إلى العملية التي قادها حزب الله على الحدود اللبنانية السورية ضد فرع تنظيم القاعدة في سوريا "جبهة فتح الشام" وتنظيم الدولة.
وتبين الكاتبة أن "هذه ليست هي المرة الأولى التي يتخبط فيها ترامب، ففي آذار/ مارس اتهم ألمانيا بأنها (مدينة بمبلغ كبير) للولايات المتحدة وحلف الناتو.، مع أن أيا من دول الناتو لا تدفع للولايات المتحدة، ولهذا لا توجد متعلقات مالية، وزعم ترامب في مقابلة مع صحيفة (وول ستريت جورنال) في نيسان/ أبريل أن كوريا (كانت في الحقيقة جزءا من الصين)، وهذا ليس صحيحا، وعندما وصل إلى إسرائيل قادما من السعودية في أيار/ مايو، قال ترامب إنه (وصل لتوه من الشرق الأوسط)، هل كلف نفسه بالنظر للخريطة؟ وفي أثناء زيارته إلى فرنسا في تموز/ يوليو خلط ترامب بين الإمبراطور نابليون بونابرت، الزعيم القزم الذي غزا مصر وروسيا، بنابليون الثالث، الذي كان أول رئيس وإمبراطور فرنسي منتخب محبوب، وقام بالإشراف على تصميم باريس، ويظل أطول حاكم لفرنسا بعد الثورة الفرنسية، هذا قبل أن يكتب تغريداته التي تقلل من شأن القادة، وتتدخل في الحروب".
وتنقل المجلة عن ديفيد غوردون، مدير مكتب وزيرة الخارجية السابقة أثناء عمل وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في إدارة بوش، قوله إن "حجم فقره للمعرفة أصابني بالدهشة، وكانت لدي توقعات قليلة منه".
وتقول رايت إن "البيت الأبيض لم يكن بأفضل حالا من الرئيس، فقد أخطأ المسؤولون فيه بكتابة اسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عندما زارت البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير، وليس مرة واحدة بل ثلاث مرات، ولاحظت عدة صحف بريطانية أن طريقة كتابة اسم رئيسة وزراء بلادهم هي بطريقة كتابة اسم ممثلة في أفلام إباحية ومعروفة بفيلمها (ليذر لاست/ البيت الأبيض: فيديو الجنس)، وتمت الإشارة في بيان الشهر الماضي إلى الرئيس الصيني تشي جينبينغ بـ(رئيس جمهورية الصين) وهي الجزيرة المقابلة تايوان وليس جمهورية الشعب الصينية، والبلدان في حالة احتراب منذ أكثر من نصف قرن، وأخطأ البيت الأبيض أيضا بتعريف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، حيث قدم على أنه الرئيس الياباني، وأطلق على رئيس الوزراء الكندي (جوي) بدلا من جاستين ترودو".
وتلفت المجلة إلى أن مسؤولين يرون أن أخطاء ترامب الكبيرة والصغيرة تترك أثرها على سمعة أمريكا، حيث يقول جون ماكغلوغين، الذي عمل في "سي آي إيه" مع سبعة رؤساء، من ريتشارد نيكسون حتى جورج دبليو بوش، وانتهى قائما بأعمال الوكالة، إن "قيادة أمريكا في العالم - كيف أصيغ هذا- من الواضح، لكنها ليست ظاهرة له، هي حيوية لنا، وتعتمد بنسبة 80% على مصداقية كلام الرئيس"، ويضيف: "يعتقد ترامب أن تناول قطعة شوكولاتة في مار-إي- لاغو وثق صداقته مع جينبينغ، وكان أقل رئيسا حضر نفسه لشؤون السياسة الخارجية"، ويتابع قائلا: "تتراجع قيادتنا العالمية وتنزلق من بين أيدينا".
وتفيد الكاتبة بأن "هذا كله في وقت يتحول فيه النظام العالمي، الذي كان سائدا منذ الحرب العالمية الثانية، وتتغير فيه طبيعة الدولة وسلطتها، ويزداد نمو قوة الصين الاقتصادية والعسكرية، وتحاول فيه الدول المنبوذة الحصول على السلاح النووي، إلا أن (القوة التي تشوش في العالم هي أمريكا) كما يقول هايدن".
وتجد رايت أن أقرب تشابه بين فترة ترامب اليوم هي تلك الفترة القصيرة التي قضتها إدارة وارين جي هاردينغ في عشرينيات القرن الماضي.
وتورد المجلة نقلا عن فيليب زيلكو، الذي عمل مع ريغان وإدارتي بوش الأب والابن، وكان المدير التنفيذي للجنة التحقيق في 11/ 9، قوله إن هاردينغ، الذي توفي بسبب سكتة قلبية، بعد 28 شهرا من حكمه، حصل على الثناء؛ لأنه تنحى جانبا، وترك وزير خارجيته تشارلو إيفانز هيوز لقيادة الإدارة، حيث كان هيوز حاكما لولاية نيويورك، ورئيسا للمحكمة العليا، ومرشحا للجمهوريين في انتخابات عام 1916، وخسر أمام وودرو ويلسون الذي سبق هاردينغ.
وتنوه الكاتبة إلى أنه في ظل ترامب فإن البيت الأبيض سيطر على مفاصل السياسة، وتم تكليف صهر الرئيس جارد
كوشنر، الذي كان يعمل في مجال العقارات، بملف التسوية السلمية في الشرق الأوسط والعلاقات الأمريكية الصينية وملف المكسيك، وسافر كوشنر في نيسان/ أبريل إلى العراق؛ للمساعدة في رسم السياسة ضد تنظيم الدولة، لافتة إلى انتشار الكثير من الأحاديث حول الطريقة التي قام فيها ترامب بإعاقة عمل وزير خارجيته ومدير شركة "إكسون موبيل "السابق ريكس تيلرسون.
وتنقل المجلة عن جون نيغروبونتي، أول مدير للأمن القومي والسفير السابق في الأمم المتحدة، قوله: "لقد تم فحص نظام الأمن القومي للولايات المتحدة على مدى سبعين عاما... وتخلى الرئيس ترامب عنه بناء على رغباته".
وتذكر رايت أن مجتمع الاستخبارات عانى من احتقار ترامب، الذي سبب قلقا داخله، حيث يقول ميتشل ريس، الذي كان رئيس وزارة الخارجية لشؤون التخطيط تحت إدارة كولن باول: "تمنيت لو قام الرئيس بالاعتماد على الوكالات الاستخباراتية والثقة بالعمل الذي قامت به وأنتجته متعرضة لمخاطر كبيرة كي تخبر القائد الأعلى".
وتشير الكاتبة إلى أن الجمهوريين ينقسمون حول ترامب، وفي ما إذا كان قادرا على النضج في الحكم، حيث يرى إليون كوهين، المستشار الذي عمل مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أنه "لا أمل في ترامب"، ويقول إن "لديه الحاسية للنجاة، لكن لا يمكن تعليمه، فحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وبناء جدار مع المكسيك، وجعل المسكيكيين يدفعون ثمن بنائه هو كل ما تريد معرفته عن سياسة هذا الرجل الخارجية، فهذا رجل أحمق ومتعصب وجاهل في القانون".
وتختم رايت مقالها بالإشارة إلى أن هناك آخرين عملوا في إدارات سابقة لا يزالون يأملون في تغيره، فغوردون من إدارة بوش يقول: "كلما بدأ ترامب يتعلم حول أمور مثل الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، فإنه يعبر عن أمور مفاجئة قد تكون معقدة بعدما قال إنها ليست صعبة"، ويضيف: "الأخبار الجيدة عندما يقول إنها تعني أن لديه بعض المعرفة"، مع أن منحنى التعلم لا يزال بطيئا وخطيرا.