نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للصحافية كارن دي يونغ، تقول فيه إن التعاون مع
روسيا أصبح محوريا لاستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في
سوريا، حيث يعتمد المخططون العسكريون الأمريكيون على موسكو لمنع قوات الحكومة السورية وحلفائها من التدخل في العمليات التي يقوم بها التحالف ضد المتطرفين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الصراعات المختلفة في سوريا اقتربت فيها الساحات من بعضها، لافتا إلى أن جزءا من الخطة يقوم على تقسيم سوريا إلى مناطق ممنوعة على الطرف الآخر، قوات
الأسد وحلفاؤه الروس في حربهم ضد الثوار الذين يحاولون الإطاحة بالأسد، وقوات التحالف الذي تقوده أمريكا لتدمير تنظيم الدولة.
وتذكر الكاتبة أن بعض النواب والمسؤولين في البيت الأبيض أعربوا عن قلقهم من أن هذه الاستراتيجية لا تتمتع ببعد نظر، وتخدم المصالح الروسية
الإيرانية الأسدية على المدى البعيد، وتترك في المحصلة المجال أمام تنظيم الدولة المهزوم لإعادة تشكيل نفسه.
وتلفت الصحيفة إلى أن الناقدين يقولون بأنه لا يمكن الوثوق بروسيا ولا بإيران للالتزام بأي صفقة، وبأن النتيجة ستكون الاستمرار في الحرب الأهلية، التي وضعت الإدارة هدفا لنفسها بإنهائها عن طريق التفاوض، حيث يستمر التفاوض بين الروس والأمريكيين حتى في الوقت الذي يتحرك فيه الكونغرس هذا الأسبوع نحو فرض عقوبات إضافية على روسيا وإيران.
وينوه التقرير إلى أنه تم إعلام مجلسي النواب والشيوخ بالاستراتيجية على شكل بيانات موجزة الأسبوع الماضي، قام بتقديمها كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دنفورد جونير، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون.
وتقول دي يونغ إن الإدارة لم تخف أنها سمت استراتيجيتها "تنظيم الدولة أولا"، حيث جعلته الأولوية الأهم، وبعدها يمكن أن تتعامل مع استقرار سوريا على المدى الطويل، مشيرا إلى أن ترامب، على عكس سلفه، قام بتفويض الجيش باتخاذ القرارات المناسبة في الحرب على تنظيم الدولة، وكانت النتيجة مكاسب سريعة ضد معاقل التنظيم القوية، والتعاون المتزايد مع موسكو؛ لإبقاء الحرب الأهلية بين الأسد ومعارضيه بعيدة عن هذا الهدف.
وتكشف الصحيفة عن أنه بحسب الخطوط الأولية المرسومة على خرائط الصراع، فإن أمريكا ووكلاءها سيسمحون للأسد بأن يسيطر على معظم مناطق الوسط والجنوب، حتى غرب نهر الفرات بقليل، مع بعض التعرجات المتفق عليها، بحسب المسؤول الأمريكي، الذي تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، لافتة إلى أنه في المقابل فإنه عندما يتم الاستيلاء على الرقة من تنظيم الدولة، فإن القوات التي تدعمها أمريكا ستتحرك باتجاه مسار النهر؛ للسيطرة على القرى التي يقطنها المتطرفون على ضفتيه، حتى الحدود العراقية.
ويذكر التقرير أن بعض المسؤولين في الإدارة يدعون لإنشاء مواقع متقدمة في الصحراء تحميها أمريكا، وذلك لمنع إيران من التمدد، حيث أن السماح لإيران بالوجود بحرية في الصحراء الجنوبية لسوريا سيسمح لها بإقامة جسر بري عبر سوريا لإمداد حزب الله، مستدركا بأنه يبدو أن البنتاغون، الذي عارض الفكرة، هو من فرض رأيه في النهاية.
وبحسب الكاتبة، فإن خط عدم الاشتباك في جنوب الرقة، الذي يسير من الشرق الى الغرب، حيث تقوم الطائرات الحربية الأمريكية والمستشارون الأمريكيون بدعم قوات مدربة ومجهزة أمريكيا، لا يزال محترما، وتسيطر القوات المدعومة أمريكيا على معظم الأراضي شمال هذه المنطقة، وحتى الحدود التركية، وشرقا حتى العراق.
وتوضح الصحيفة أنه في جنوب غرب سوريا فإن وقف إطلاق النار، الذي تفاوضت عليه أمريكا مع روسيا، أوقف القتال بين قوات الأسد وقوات المعارضة بشكل كبير، حيث قال تيلرسون: "كان ذلك أول مؤشر على إمكانية عمل أمريكا وروسيا معا في سوريا.. وأظن أن لدى سوريا المصلحة ذاتها التي لدينا بأن تصبح سوريا مكانا مستقرا وموحدا".
ويشير التقرير إلى أوامر ترامب بوقف برنامج وكالة الاستخبارات المركزية، الذي دام لسنوات لتدريب وتسليح الثوار المعارضين للأسد، لافتا إلى أن رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين انتقد هذا التحرك، وقال إن هذا القرار يسعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووصف القرار بأنه غير مسؤول، وينم عن قصر في النظر.
وتورد دي يونغ إن معهد دراسات الحرب في واشنطن، الذي يتابع مواقع السيطرة والغارات الجوية في سوريا، لاحظ أن روسيا "تعيد تشكيل حملتها الجوية في سوريا؛ لاضطرار أمريكا للدخول في شراكة"، حيث توقفت روسيا توقفا شبه تام عن قصف غرب سوريا، وتم توجيه ضربات قاصمة للثوار، ونقلت عملياتها نحو الشرق، حيث تتقدم قوات الأسد بحجة محاربة "تنظيم الدولة".
وتقول الصحيفة إن تقرير المعهد أشار إلى أن هذا التحول دعم وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي، وهو ما "أمن بشكل أكبر حرية العمل للقوات الروسية"، وساعد في فتح باب التفاوض بشأن تجنب الاشتباك.
وينقل التقرير عن السيناتور تيم كين قوله حين عبر عن شعوره، بأن إدارة ترامب متفائلة "أكثر مني"، بشأن التعاون مع روسيا في الشأن السوري، ورفض كين مناقشة التفاصيل السرية التي اطلع عليها المجلس، لكنه قال إن الاعتماد على موسكو -وتأكيداتها بإمكانية إبقاء إيران في حدودها- قد يؤدي إلى تقويض فرص التوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية في سوريا، دون الأسد في النهاية، وهو ما قالت الإدارة إنه الضمان الوحيد لعدم عودة تنظيم الدولة بعد هزيمته.
وبحسب الكاتبة، فإن من الأمور الثانوية بالنسبة للإدارة الأمريكية هو وجود التنظيم المرتبط بتنظيم القاعدة وتناميه في الفترة الأخيرة، وهو ما كان يعرف بجبهة النصرة سابقا، وأصبح اليوم يسيطر بشكل كبير على محافظة إدلب، وهي المنطقة التي تراجع إليها الثوار الإسلاميون وغيرهم من المعارضين، بمن فيهم الثوار الذين كانت تدعمهم أمريكا عندما هزموا في حلب العام الماضي.
وتختم "واشنطن بوست" نقريرها بالإشارة إلى أنه رغم أن طيران التحالف قام بتعقب وقتل بعض قيادات تنظيم القاعدة في الأشهر الأخيرة، إلا أن المسؤولين يقولون بأن الاستراتيجية هي الاحتواء في هذه المنطقة للتعامل معها لاحقا.