يتعرض فلسطينيو النقب في الداخل
الإسرائيلي لأكبر عملية تصفية لقضيتهم منذ نشأة دولة إسرائيل قبل نحو ستين عاما عبر سحب
الجنسيات الإسرائيلية منهم، وفقا لما أوردته صحيفة "هآرتس" العبرية.
ووفقا للصحيفة فإنه تم سحب الجنسية الإسرائيلية لما يقرب من 2600 مواطن من
بدو النقب منذ العام 2010، تحت ذريعة أن تسجيلهم كمواطنين إسرائيليين كأن خطأ ويجري معالجته، بالرغم من أنهم قد حصلوا على الجنسية الإسرائيلية قبل ذلك التاريخ وكانوا يتمتعون بكافة الحقوق والامتيازات الممنوحة لهم أسوة بباقي أفراد الدولة، وهو ما يشكل انتهاكا صارخا لكل الأعراف والقوانين الإنسانية التي تجرم على الدولة سحب الجنسية من أي مواطن فيها تحت أي ذريعة كانت.
قصص مؤلمة
واستطاعت صحيفة "
عربي21" الحصول على شهادات حية للمواطنين البدو الذين تعرضوا لهذه "الجريمة" وفقا للوصف الذي أجمع عليه الكثير من هؤلاء البدو، والذين أكدوا أن ما يجري بحقهم هو ضمن "توجهات الحكومة الإسرائيلية لتصفية قضيتهم بغرض ترحيلهم من قراهم لبناء المستوطنات عليها، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه". وفق قولهم.
مصطفى الغريب من قبيلة العزازمة في بئر السبع، 47 عاما، وهو أب لثمانية أبناء، ثلاثة منهم يحملون الجنسية الإسرائيلية والباقي ترفض وزارة الداخلية تسجيلهم كمواطنين إسرائيليين، يقول لـ"
عربي21" أنه "تفاجأ أثناء توجهه لمكاتب الإدارة المدنية الإسرائيلية في العام 2013 لتسجيل نجله الأصغر يوسف في الأحوال المدنية قام موظف الدائرة بسحب الهوية الإسرائيلية منه، واستبدالها ببطاقة أخرى تسمى بطاقة ( المقيم)".
وأضاف: "عند سؤاله ما هي أسباب اتخاذ هذا الإجراء بحقه رد عليه الموظف أنه لم "يعد مواطنا إسرائيليا منذ هذا التاريخ وأن منحه للهوية الإسرائيلية كأن خطأ منذ البداية بسبب وجود تلابس في كشوفات العائلة أثناء تسجيله كمواطن إسرائيلي". وفق قوله.
وأوضح الغريب أنه قد خدم سابقا في الجيش الإسرائيلي في الفترة ما بين 1980- 1983، وشارك في جميع الدورات الانتخابية التي شهدتها دولة إسرائيل، منوها أن "الإدارة المدنية الإسرائيلية استدعت هويات أبنائه الخمسة (من أم بدوية) وقامت بنفس الإجراء الذي اتخذ بحقه باستبدال هوياتهم ببطاقة المقيم، أما أبناؤه الثلاثة فلم يتم اتخاذ أي إجراء بحقهم كونهم جاؤوا من أم إسرائيلية من مستوطنة (بيتار عيليت) جنوب الضفة الغربية".
قصة أخرى يرويها الشاب هارون أبو جابر، 41 عاما، من قبيلة الترابين في النقب، يقول لـ"
عربي21" أنه "تفاجأ من قيام الشرطة الإسرائيلية في العام 2015 باستدعاء أبناء العائلة الذين تجاوزوا لسن 18 عاما والذي بلغ عددهم نحو 25 شخصا، وطلبت منهم تسليم بطاقات الهوية الإسرائيلية الزرقاء التي بحوزتهم للإدارة المدنية خلال مدة أقصاها 72 ساعة لاستبدالها ببطاقة أخرى وهي بطاقة المقيم، تحت ذريعة عدم استيفاء شروط المواطنة الإسرائيلية، بالرغم من أنهم قد تمتعوا بكامل الحقوق التي تمنحها الدولة لهم قبل ذلك التاريخ".
ماذا يعني سحب المواطنة من البدو؟
ووفقا للقانون الإسرائيلي فإنه بعد سحب المواطنة ( الجنسية) يتحول الشخص إلى "مقيم دائم"، أي أن مكانتهم تصبح شبيهة بمكانة
الفلسطينيين في القدس المحتلة (بحسب التصنيف الإسرائيلي) ولا يحظون بكامل حقوقهم، ولكنهم يحصلون على بعض الحقوق الاجتماعية مثل العلاج في صندوق المرضى ويستفيدون من خدمات التأمين الوطني.
ويحرم أيضا من تسحب منه الجنسية، من امتلاك جواز السفر، ولا يحق لهم التصويت أو المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وتقتصر مشاركتهم على التصويت في الانتخابات البلدية، وفي حال خرج المقيم من دولة إسرائيل لمدة تزيد عن الثلاث سنوات فإنه يحق للدولة سحب الإقامة منه تطبيقا لقانون "أملاك الغائيين" الصادر منذ العام 1950.
تطهير عرقي
بدوره، قال نائب الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الدكتور، منصور عباس، إن "فلسطيني الداخل يواجهون أكبر عملية تطهير عرقي تقودها إسرائيل منذ تأسيسها، فبدءا من إجراءات تهجير السكان العرب من مدنهم وقراهم إلى إجراءات الشرطة الإسرائيلية الأخيرة بسحب الجنسيات الإسرائيلية من المواطنين العرب تمهيدا لطردهم من قراهم لإقامة مستوطنات على أنقاضها، دون أدنى تحرك إنساني من قبل المجتمع الدولي لوقف هذه الجريمة".
وأضاف عباس في حديث خاص لـ"
عربي21" أن "الهدف الثاني الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه من وراء هذه الإجراءات محاولة تقليص أعداد الفلسطينيين العرب، بعد أن باتوا يشكلون خطرا ديموغرافيا على الوجود اليهودي داخل إسرائيل".
وتابع عباس أن "الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر تحاول التصدي لهذه الإجراءات من خلال تنظيم الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات في القرى التي يتعرض سكانها للتصفية، أما على الصعيد الأخر فقد قامت الحركة الإسلامية بتوكيل المحامين لرفع دعاوى قضائية في محكمة العدل العليا لإجبار الشرطة الإسرائيلية على وقف إجرائها بسحب الجنسيات من المواطنين".
يذكر أن صحراء النقب تشكل نحو 40 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية، وتبلغ مساحته 12 ألفا كلم مربعا، ويقطنها ما يقرب من ربع مليون مواطن فلسطيني لذلك فهي تشكل ثقلا سكانيا للمواطنين العرب الذين يقدر عدده بنحو مليون وربع المليون نسمة داخل إسرائيل.