تعيش العلاقات
المغربية ـ الإسبانية على وقع التوتر بعد هجمات
برشلونة، خاصة بعد تصاعد الاتهامات للمغرب بتصدير
الإرهابيين إلى أوروبا، في حين لم تفلح المساعي المغربية في التهدئة من حدتها.
وأعلنت إسبانيا وصول وزير داخليتها، خوان إيناسيو زويدو، إلى المغرب ساعات بعد إعلان الرباط اعتقال ثلاثة أشخاص أحدهم أعلن نيته
الهجوم على سفارة إسبانيا بالعاصمة المغربية.
تصدير الإرهاب
وظفت كثير من المنابر الإعلامية الأوربية هجوم برشلونة، الذي تورط فيها أشخاص من ذوي أصول مغربية، لاتهام المغرب بتصدير الإرهاب والإرهابيين، وتنافست في تحميل الرباط المسؤولية عن هذه الجرائم.
وحرصت المنابر الإعلامية، خصوصا الفرنسية/الإسبانية على الترويج لفكرة ارتباط الإرهاب بالمغاربة وإلصاق تهمة تصدير الإرهاب نحو مختلف دول العالم بالمغرب.
هذه المواقف تجاوزت الصحافة، وانتقلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ذهب عدد ممن يشتبه في انتمائهم لنشطاء اليمين المتطرف إلى ارتكاب أفعال مشينة من قبيل تلويث جدران تمثيليات مغربية بدول أجنبية بألوان الدم، في إشارة إلى ارتباط الهوية المغربية بالعنف والتطرف.
وفي مستوى ثالث تعالت الأصوات للمطالبة بالتضييق على المهاجرين المغاربة المقيمين بالديار الإسبانية، بحجة أنهم يشكلون خطرا على المجتمع وتهديدا لسلامة وأمن واستقرار المواطنين.
أصل الداء
وفي معرض تعقيبه على الهجوم على المغرب، أبدى مصدر في الخارجية المغربية، تفهم المغرب لحالة الغضب التي تسود الأوساط الأوربية، قبل أن يسرد ما تعبره الرباط "أسبابا حقيقية" للعنف المسلح في أوربا.
وكشف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "أول هذه العوامل الذاتية، نجد الإحساس بالتهميش الذي يعانيه مجموعة من الشباب المسلم الأوربي خصوصا مع انعدام رؤية مستقبلية اجتماعية مطمئنة، ومع غياب سياسة تدبير ناجعة للقضايا الهوياتية، الثقافية والدينية، فضلا عن تفاقم ظاهرة العنصرية وكراهية الأجانب في بعض المجتمعات الأوربية وهذا ما يدل عليه تصاعد مد الأحزاب اليمينة المتطرفة".
وتابع المسؤول الدبلوماسي المغربي في تصريح لـ"
عربي21": "أمام هذا الوضع، نجد أن العديد من الشباب الأوربي المسلم يصطدم بعدة إشكاليات اجتماعية، من بينها الفشل الدراسي والبطالة، وهو الأمر المؤدي نحو الجريمة والانحراف، ما يقودهم إلى السجون، حيث نجد أيضا سيطرة لعدد من الجماعات الإسلامية الراديكالية على أسوارها".
وأضاف المصدر: "إن قراءة بروفايلات منفذي العمليات الإرهابية الأخيرة في أوربا، تقود إلى أن جذورهم مغاربية من المغرب، الجزائر، تونس وليبيا. شباب لا يربطهم بالمنطقة المغاربية سوى أصول آبائهم، أو أجدادهم. وفي الغالب هؤلاء الشبان يكونون في أوساط مهمشة داخل أوربا، فشلوا في دراستهم، وجزء منهم يكون له ماض في الجريمة والانحراف".
وأوضح: "على سبيل المثال، فالأحداث الإرهابية في باريس بتاريخ 13 نوفمبر 2015، نفذها شباب أوربي يحملون جنسيات بلجيكية وفرنسية، وهي جنسيات البلدان التي كبروا فيها. فـ"إسماعيل عمر" مثلا فرنسي من أصول جزائرية، سامي عاميمور نفس الشيء، وفؤاد محمد أكاد، فرنسي من أصول مغربية، إبراهيم عبد السلام نفس الشيء، وعبد الحميد أباعوض، الرأس المدبر لهجمات بوركسيل بلجيكي من أصول مغربية".
وأفاد: "في حالة هجمات برشلونة الأخيرة، نجد أن الخلية المنفذة تتكون من 12 شخصا تتراوح أعمارهم بين 17 و44 سنة، وهؤلاء جميعهم من أصول مغربية، لكنهم كبروا وترعرعوا في إسبانيا ودرسوا في مؤسساتها التعليمية".
وسجل: "هذه المعطيات تفند ما تذهب إليه بعض وسائل الإعلام الأوربية، والتي تربط المنفذين بأصول دول آبائهم وهو الأمر الذي لا يستقيم، وهو أمر يدخل في إطار شيطنة هذه الدول، وفي تقديرنا فإن هؤلاء الإرهابيين الأوربيين الذين نتحدث عنهم هم نتاج خالص للوضع الاجتماعي الذي كبروا وعاشوا فيه في تلك الدول الأوربية المعنية".
وخلص إلى "أن محاولة ربط المغرب بالظاهرة الإرهابية في أوربا لا يعدو أن يكون سوى هروب من قضية أساسية، تتمثل في كون تطرف شباب أوربي راجع إلى فشل سياسات الإدماج المرتبطة بالقضايا الهوياتية، والإشكاليات السوسيواقتصادية التي يعانيها هؤلاء الشباب، كما يعانون من إحساس (لفظهم) من طرف مجتمعاتهم، وهو ما يجعل من ارتمائهم في أحضان الفكر المتطرف أمرا ممكنا".
وشدد: "عوض أن تركز وسائل الإعلام على استقراء ما وقع في برشلونة مثلا بناء على هذه المعطيات، فضلت أن تلصق التهمة بطرف آخر عبر إجراء مقابلات مع أقارب بعيدين جدا عن منفذي الهجمات، من بينهم أجدادهم الذين لا علاقة تربطهم بالإرهاب ويعيشون في سلام داخل قراهم".
ودعا إلى "دعم دينامية التعاون الأمني والقضائي بين المغرب وأوربا، حيث تعترف الدول الأوربية نفسها بأن هذا التعاون مكن من إحباط عدة هجمات إرهابية، عوض الدخول في منطق الاتهامات المتبادلة بشأن أسباب الإرهاب في أوربا".
زيارة ثالثة في ظرف وجيز
في ظل هذه الأجواء، قال بيان لوزارة الداخلية الإسبانية إن خوان اغناسيو زويدو سيقوم غدا الثلاثاء، بزيارة عمل للمغرب وسيجري خلالها محادثات مع نظيره المغربي، عبد الوافي لفتيت وكبار المسؤولين الأمنيين.
وأفات وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي"، أن هذه الزيارة تأتي بعد إعلان السلطات المغربية اعتقال ثلاثة أشخاص مشتبه في علاقتهم بهجمات برشلونة.
وزاد "إيفي"، أن الزيارة تندرج في إطار العلاقات الجيدة التي تجمع بين البلدين، في مناخ التعاون الأمثل بين وزارتي الداخلية في مواضيع هامة بالنسبة لإسبانيا والمغرب، كمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والهجرة والأمن.
وكشفت إيفي أن هذه الزيارة هي الثالثة في ظرف وجيز لوزير داخلية إسبانيا إلى الجارة الجنوبية، بعد أن كانت الرباط أول وجهة خارجية، له مباشرة بعد تعيينه وزيرا للداخلية في حكومة ماريانو راخوي.
وعرفت برشلونة عملية دهس بالحافلة، أودت بحياة نحو 15 شخصا، وعشرات الإصابات، أعلنت داعش مسؤوليتها عنه، وألقت السلطات الإسبانية القبض على عدد من المشتبه بهم بالهجوم.