تشتد الحرب على تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، فقد خسر التنظيم مواقعه في الموصل العراقية فيما يكاد أن يخسرها في دير الزور والرقة السوريتين في حروب تشترك فيها الولايات المتحدة وروسيا وقوات سوريا الديموقراطية والبشمركة وتركيا وما تبقى من قوات النظام مدعومة من الميليشيات الشيعية.
وقد أثار الوجود القوي لإيران وميليشياتها وخصوصا حزب الله إسرائيل التي ترى أن النجاحات التي تحققها طهران وحلفاؤها في سوريا بدعم روسي وأميركي جوي، ستؤدي إلى تعزيز دور إيران التي تسعى لامتلاك خط متواصل من طهران مرورا بالموصل ودير الزور وانتهاء بلبنان وتمديد نفوذها للحدود مع الجولان المحتل.
وحتى وقت قريب، وقبل أن تقترب ميليشيات إيران من الحدود مع إسرائيل، كانت الأخيرة تعتقد أن تورط حزب الله في القتال في سوريا كفيل بإشغال الحزب وإنهاكه ودافع له لعدم التفكير في مناوشة إسرائيل في جنوب لبنان. ورغم أن هذه الحالة هي السائدة الآن، إلا أن توسع مساحة نفوذ إيران والحزب في سوريا بعد التدخل الروسي جعل إسرائيل تعيد حساباتها في التعامل مع هذه الحالة.
الاستعدادات الإسرائيلية
ومن الشمال نفذت إسرائيل مناورات هي الأضخم من نوعها منذ عقدين من الزمان، كما ضربت عدة مرات قوافل زعمت أنها تحمل معدات عسكرية متوجهة من سوريا لحزب الله في لبنان، لترسل رسالة إلى حزب الله وإيران أنها على كامل الاستعداد للمواجهة المقبلة إن هي فرضت عليها، مع تأكيدها المستمر على أنها حريصة على عدم الاشتباك مع حزب الله في جنوب لبنان أو مع إيران في سوريا.
ويقول الكاتب في صحيفة "إسرائيل اليوم" آيال زيسر أستاذ دراسات الشرق الأوسط بالجامعات الإسرائيلية- إن مقدمات الحرب القادمة مع حزب الله ستبدأ من حدث متدحرج يتبعه رد مضاد، مع أن بنك الأهداف الذي يحضره الحزب للحرب سيتجاوز الإطلاق المكثف للصواريخ نحو المدن الإسرائيلية والموانئ والمطارات ومنشآت البنية التحتية، وصولا لمحاولة الدخول إلى إسرائيل والسيطرة على مواقع الجيش أو قرية على خط الحدود مع لبنان.
وفي معرض تأكيده على أن المعركة القادمة ستشترك فيها إيران بعد تعزيز وجودها في سوريا مع ضعف قوات النظام السوري وانهيارها، فقد اتهم شوفال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بفتح حدود سوريا والمنطقة كلها أمام الوجود الإيراني بسبب ما رأى أنه صراع مشترك بين الولايات المتحدة وإيران ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو رغبة منه لإيجاد توازن مفترض في الشرق الأوسط بين المجموعة السنية برئاسة السعودية ونظيرتها الشيعية بقيادة إيران.
وفي هذا السياق، حذرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط تكون هذه المرة بين إسرائيل وإيران في سوريا، وقالت إن إسرائيل وإيران تتجهان للصراع على جنوبي سوريا، وذلك في حرب قد تنجر إليها الولايات المتحدة.
وبلا شك، فإن إيران تستفيد من معركتها ضد تنظيم الدولة في سوريا لتعزيز وجودها بما يشكل تهديدا لإسرائيل مباشرة أو عن طريق وكلائها في سوريا ولبنان.
وتقول إسرائيل إن إيران ساعدت حزب الله اللبناني في تخزين الصواريخ التي سيطلقها ضد إسرائيل في الصراع الحتمي المقبل، وإن طهران إذا تمكنت من الهيمنة على جنوب سوريا فإنها ستنشئ جبهة ثانية ضد إسرائيل على الحدود قرب مرتفعات الجولان.
وفي المقابل، لا يبدو أن إسرائيل معنية بتوسيع المواجهة المقبلة المفترضة، وتقول إنها ستضطر إلى طلب مساعدة أميركية في مواجهة إيران التي تملك عديدا وعتادا وجيشا قوي مزود بالتكنولوجيا والصواريخ وقادر على مواجهة العدو في أي حرب مقبلة.
الموقف الأميركي
ويحتاج الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى استراتيجية لمرحلة ما بعد تنظيم الدولة في سوريا يكون من ضمنها الحفاظ على أمن إسرائيل ومنع التمدد الإيراني في سوريا فضلا عن منع طهران من تطوير قدراتها النووية (احتواء إيران)، ليتجنب بذلك الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وتسعى إسرائيل في المقابل لتوسيع نطاق قدرتها على الدفاع عن نفسها، وستبادر خلال هذه المرحلة إلى توسيع ضرباتها الجوية في سوريا، وذلك لأن إيران لن تتخلى عن هدفها الاستراتيجي في المنطقة.
كما تسعى إسرائيل إلى كسب الموقف الروسي ليمارس الضغوط على إيران وسوريا لعدم الرد على الغارات الإسرائيلية، وهو ما ضمن لإسرائيل حتى الآن الاستمرار في هذه الغارات رغم التحذيرات الروسية المعلنة.
وفيما تتفق كل الأطراف على التصدي لتنظيم الدولة وإلحاق الهزيمة به (بعد إضعاف القوى السورية المعارضة إثر هزيمة حلب)، فإن نهاية هذا التنظيم تعني بالضرورة افتراق أجندات الأطراف المختلفة.
ففيما ستحتفظ روسيا بوجودها الجيوسياسي مع إعادة تشكيل النظام وشرعنته، فإن الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على موطئ قدم مع تقليص الدعم لقوى المعارضة في المناطق التي يمكن ان تستغني عنها فيها مثل حلب وجنوب سوريا.
ولذلك، فإن نهاية تنظيم الدولة لا يعني استقرار سوريا مع تناقض الأجندات الخارجية فيها، وستسعى إسرائيل إلى ضمان الدعم الأميركي ومواجهة النفوذ الإيراني دون الاضطرار للاشتباك معه، وهو تطور لا ترغب به الولايات المتحدة أيضا لأنه قد يجر إلى حرب أو اشتباك مع روسيا. هذا فضلا عن فتح شهية التنظيمات الكردية لإقامة كيان خاص بها وهو ما ترفضه تركيا وإيران.
مستقبل سوريا
ويظل اشتباك إسرائيل مع إيران مستبعدا لأنه غير مرغوب به من الطرفين وبقية القوى الدولية، إلا أن سوريا ستظل ساحة صراع دولي وإقليمي وتسلط للنظام الدموي عليها خصوصا بعد إسقاط أطراف إقليمية ودولية الفيتو على بقاء الأسد على سدة الحكم في أي تسوية قادمة.
وستصبح سوريا ساحة خلفية لكل من إسرائيل وإيران وروسيا وإلى حد ما لأميركا، الأمر الذي يجعلها تدفع الثمن مرتين: الأولى بتسلط النظام الدموي عليها، والثانية في عدم الاستقرار في كل أنحائها.