نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا، سلط من خلاله الضوء على اهتمام القادة
الإيرانيين المفاجئ بالأزمة الواقعة في ميانمار، وإعادة اعتمادهم لمبدأ الوحدة الإسلامية. وجاء ذلك نتيجة سعي إيران إلى التغلب على النزاعات الطائفية الناجمة عن الصراع السوري.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الزعيم الإيراني، آية الله سيد علي
خامنئي، أصدر هذا الأسبوع بيانا لافتا؛ للنظر حول أزمة
الروهينغا في ميانمار، حيث هاجم فيه ما أسماه "نفاق الحكومات" الغربية ومواقفها المزدوجة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وأفاد الموقع بأن الزعيم الإيراني حاول حث الدول المسلمة، خلال كلمته التي ألقاها يوم الثلاثاء الماضي، على الضغط على حكومة ميانمار التي تترأسها "امرأة طاغية"، على حد قوله. وأضاف الزعيم الإيراني أن "انتصار إيران في الصراع السوري، فضلا عن سعيها الدؤوب لفرض هيمنتها في المناطق الإقليمية الأخرى التي تشهد توترا، وعلى رأسها اليمن، أكسبها سمعة كبيرة.
في المقابل، توقف خامنئي عن دعم العمل العسكري، كانتقاد ضمني للقائد محسن رضائي، الذي عمل ضمن قوات الحرس الثوري الإسلامي، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كما اقترح مؤخرا إنشاء تحالف عسكري إسلامي لمساعدة الروهينغا.
وبين الموقع أن الزعيم الإيراني بدا كأنه يشير إلى حدوث تحول في السياسة الخارجية لإيران، من خلال هذا التدخل الخطابي المتجدد، وتركيزه الشديد على كل ما يتعلق بالوحدة الإسلامية. والجدير بالذكر أن خامنئي أعلن في خطابه أنه "على الجمهورية الإسلامية الوقوف ضد أي شكل من أشكال "القمع" في أي مكان في العالم".
وأورد الموقع أن هذا التحول الخطابي كان مدروسا، أولا وقبل كل شيء لأجل التغلب على الطائفية التي تولدت عن الحرب السورية وغيرها من الصراعات الإقليمية. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ستواصل إيران تركيزها على القضايا الإقليمية المرتبطة بمصالحها القومية.
وأشار الموقع إلى أن قيادة الوحدة الوطنية، التي نص عليها الدستور الإيراني بعد سنة 1979، تلزم الدولة بالسعي إلى تحقيق الوحدة الوطنية، والدفاع عن الشعوب "المضطهدة" في العالم، لا سيما المسلمين. لذلك، يعدّ بيان خامنئي عن المسلمين الروهينغا المضطهدين في ميانمار متماشيا تماما مع روح ومضمون الدستور الإيراني.
وأوضح الموقع أن سياسة إيران الفعلية، التي كانت تعتمدها على مدار العقود الأربعة الماضية، لم تكن بهذه الدقة. فمنذ لحظة تأسيسها، عرفت إيران الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على أنه أهم قضية في العالم الإسلامي، فضلا عن عملها باستمرار على دعم الجماعات الفلسطينية والحركات المناهضة لإسرائيل بشكل عام.
وفي حين أن مواجهة إسرائيل على المستوى العملي تتزامن مع المصالح الوطنية الإيرانية في المنطقة، تظل القضايا الأخرى التي تعنى بالوحدة الوطنية، والتي يمكن القول إنها أقل أهمية من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أقل تناغما مع الخطاب الإيراني عن الأمن القومي.
وذكر الموقع أنه، فيما يتعلق بالنزاعين اللذين شهدتهما جمهورية الشيشان الروسية في التسعينات، نجد أن إيران لم تفشل فقط في التدخل لأجل مسلمي الشيشان، بل اعتبرت الصراع شأنا "داخليا" متعلقا بالاتحاد السوفيتي. في المقابل، أبدت إيران تدخلا حاسما في الصراع البوسني، خلال تسعينات القرن الماضي، وحققت جملة من المكاسب بعد ذلك؛ من خلال إقامة نفوذ قوي في البلقان.
وأورد الموقع أنه، على عكس الشيشان، تماشى تقديم إيران لهذا الدعم الكبير للمسلمين المضطهدين في هذه المنطقة مع مصالحها المتمثلة أساسا في تعزيز نفوذها في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، توخت إيران الحذر الشديد بخصوص قضية كشمير، التي تعدّ قضية إسلامية دولية هامة ورمزية، بناء على ما تمليه مصلحتها الوطنية، وهو خلق توازن بين الهند وباكستان.
وأفاد الموقع بأن آية الله خامنئي بدا، في حزيران/ يونيو الماضي، كأنه يساوي بين الاحتجاجات الجارية في كشمير والنزاعات في اليمن والبحرين، وهو ما قد يتسبب في توليد رد فعل دبلوماسي عنيف من الجانب الهندي.
وأشار الموقع إلى أن القادة الإيرانيين يتبعون أسلوبا معينا، يتجسد في الدفاع بقوة عن القضايا المعززة للوحدة الوطنية، ولكن دون المشاركة فيها بشكل مباشر، ودون تأثير كبير على مصالحها القومية. في الواقع، يمثل هذا التحول الخطابي مؤشرا واضحا على ثقة إيران المتنامية على الساحة العالمية، ورغبتها في إعادة تأكيد مكانتها كقائد في العالم الإسلامي.
ونوه الموقع، فيما يتعلق بقضية الطائفية، بأن أزمة الروهينغا أثارت رد فعل قوي عبر الطيف السياسي الإيراني، حيث ركز المعلقون الإيرانيون على المعايير الغربية "المزدوجة" فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومسؤولية حمايتها في القانون الدولي. ولفت الموقع إلى أن إيران تريد أن تؤكد، من خلال الوصول إلى كل المسلمين "المضطهدين" على الساحة العالمية، أن لها دورا مساويا للسعودية، إن لم يكن أكثر تفوقا.
ومن هذا المنطلق، يبدو جليا أن صدى أزمة ميانمار مع المؤسسة السياسية الإيرانية وجماعات المجتمع المدني من شأنه أن يضفي مصداقية للجهود التي تبذلها القيادة، فضلا عن أنه يتماشى مع المصلحة الوطنية الإيرانية، الرامية إلى إعادة بناء سمعتها بعد الحرب السورية.
في الختام، قال الموقع إن محاولة تعزيز إيران للوحدة الإسلامية على المستوى البلاغي يعدّ وسيلة رخيصة نسبيا لخدمة سمعتها وتلميع صورتها، فضلا عن أنه يعد مفيدا من حيث تنشيط الخدمة الدبلوماسية للدولة أمام التحدي الدائم الذي تواجهه من قبل المملكة العربية السعودية.
الصحيفة: ميدل إيست آي
الكاتب: ماهان عابدين
الرابط:
https://www.middleeasteye.net/columns/reputational-repair-iran-tries-capitalise-myanmars-rohingya-crisis-97561563