نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لمديرة مكتبها في جنوب شرق آسيا هانا بيتش، تناولت فيه أحداث إقليم آراكان في
ميانمار، وكيف دفعت تلك الأحداث بجيل الشباب هناك إلى
التطرف.
وتذكر الكاتبة في بداية مقالها أن إمام إحدى القرى في أقصى غرب ميانمار، واسمه نذير حسين، جمع المصلين حوله بعد صلاة العشاء ليلة الشهر الماضي، وبعد ساعات قام حوالي 12 مقاتلا من تلك القرية ينتمون لجيش تحرير روهينغا آراكان بمهاجمة مركز قريب للأمن بأسلحة مصنعة يدويا.
وتنقل الصحيفة عن حسين، قوله: "شجعتهم، كوني إماما، بألا ينكصوا على أعقابهم، وقلت لهم إن فعلوا ولم يقاتلوا حتى الموت، فإن الجيش سيأتي ويقتل عائلاتهم ونساءهم وأطفالهم".
وتشير بيتش إلى أنهم انضموا إلى هجوم شارك به آلاف المقاتلين من الحركة في 25 آب/ أغسطس ضد قوات أمن ميانمار، لافتة إلى أن القوات المسلحة وعصابات القوميين المتطرفين شنت منذ ذلك الحين حملة تتبع سياسة الأرض المحروقة ضد
الروهينغا في شمال ولاية راكين، ما جعل مئات الآلاف يفرون من بيوتهم، في حملة سمتها الأمم المتحدة "تطهيرا عرقيا".
وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إن جيش تحرير روهينغا
أراكان أو ما يطلق عليه محليا حركة اليقين، تمكن منذ بداياته الأولى قبل أربع سنوات من القيام بهجومين قاتلين، أحدهما في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والثاني الشهر الماضي.
وتستدرك بيتش بأنه "بهجوم المقاتلين على الحكومة، فإنهم جعلوا من شعبهم هدفا، وأعطوا جيش ميانمار فرصة لمحاولة تبرير أفعاله بالقول إنه يحارب الإرهاب، وحتى عندما كان يحرق عشرات القرى، ويقتل النساء والأطفال أثناء فرارهم".
وترى الكاتبة أن "هذا التطرف الناتج للجيل الجديد من الروهينغا، وهي أقليلة مسلمة في بلد غالبيتها من البوذيين، يصب الزيت على وضع مشتعل في ولاية راخين، أفقر ولايات ميانمار، بالإضافة إلى أن هناك مخاوف من تعرض العدد البسيط من الروهينغا الذين حملوا السلاح، وشعب الروهينغا الذي تجمع مئات الآلاف منه في مخيمات لاجئين في بنغلاديش، للاستغلال من شبكات الإرهاب العالمية".
وتجد بيتش أن "سياسة التمرد، التي يحاول جيش تحرير روهينغا أراكان انتهاجها، كانت مأساوية إلى الآن، حيث رفض وقف لإطلاق النار أعلن عنه الجيش هذا الشهر من جيش ميانمار، بالإضافة إلى أنه تكبد خسائر كبيرة مقارنة مع قوات الحكومة، لكن الرجال المنتمين يقولون إن المقاومة تستحق الثمن الباهظ، حتى لعائلاتهم".
وتورد الصحيفة نقلا عن نور علام، الذي تختبئ عائلته في الغابة في ميانمار بعد أن حرقت قريتهم، قوله: "هذه المعركة ليست حول مستقبلي أو مستقبل عائلتي.. بل هي حول وجود الروهينغا، وإن اضطررنا للتضحية بأنفسنا ليعيش أبناؤنا في سلام، فالأمر يستحق ذلك".
وتلفت الكاتبة إلى أن جيش ميانمار، الذي حكم البلاد على مدى نصف قرن تقريبا، يقوم باضطهاد الروهينغا بشكل منهجي، ويفرض عليهم حياة شبيهة بحياة السود تحت نظام الأبارثايد، حيث نزع الجنسية عن معظمهم.
وتذكر بيتش أن الحكومة المدنية، التي تقودها أونغ سان سو تشي منذ العام الماضي، بررت الحملة العنيفة الأخيرة في ولاية راخين بأنها رد ضد "إرهابيين متطرفين بنغاليين"، مستدركة بأن الروهينغا يقولون بأن جذورهم في راخين ممتدة في التاريخ، إلا أن الرواية الرسمية في ميانمار هي أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش.
وتنقل الصحيفة عن المشارك في تأسيس منظمة "فورتيفاي رايتس"، وهي منظمة ترصد حقوق الإنسان مقرها بانكوك، ماثيو سميث، قوله: "تحدثنا عن مخاطر الدفع نحو التطرف لسنوات عديدة، وكان من الواضح أنه سيكون هناك نشاط مسلح.. وفي نظرنا فإن أفضل طريقة للتعامل مع مخاطر التطرف هو تشجيع احترام حقوق الروهينغا، وهو ليس ما يقوم به جيش ميانمار".
وتفيد الكاتبة بأن عمليات ما يسمى "التنظيف" منذ 25 آب/ أغسطس، تسببت بفرار أكثر من 400 ألف شخص من الروهينغا إلى بنغلاديش، مشيرة إلى أنه كان على الروهينغا، الذين حاولوا الفرار من آخر موجات العنف ضدهم، أن يتعاملوا أيضا مع جيش تحرير روهينغا آراكان، حيث يريد الأخير من الشباب البقاء والقتال، بالإضافة إلى أن المخبرين الروهينغا، الذين يحتمل أنهم سربوا تفاصيل حول هجمات 25 آب/ أغسطس لجيش ميانمار، تم إعدامهم، بحسب منظمات حقوقية.
وتكشف الصحيفة عن أن هناك اتهامات لجيش تحرير روهينغا أراكان بقتل أفراد من أقليات في راخين، مثل الهندوس والبوذيين، وأن ما لا يقل عن 12 مدنيا روهينغيا قتلوا منذ 25 آب/ أغسطس، بحسب حكومة ميانمار، مع ما لا يقل عن 370 مقاتلا من الروهينغا.
وتقول بيتش إن التطرف واضح في صفوف اللاجئين في المخيمات المكتظة، حيث يقول عثمان (32 عاما)، وهو أستاذ مدرسة وعضو في جيش تحرير روهينغا أراكان، وقضى ثلاثة أشهر مختبئا في الغابات الجبلية بين ميانمار وبنغلاديش، بعد هجوم التنظيم في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "حتى لو جلست في بيتي، فيمكن أن يقوم الجيش بقتلي.. فالأفضل أن أموت وأنا أقاتل لأجل حقوقي، كما أمرنا الله، فتضحيتي ستدخلني الجنة".
وتعلق الكاتبة قائلة: "لكن لا يريد الجميع أن يضحي، فعندما هاجم الجيش والغوغاء قريته، فإن نور كمال (18 عاما) وشقيقه (6 أعوام) حاولا الفرار، لكنهما أصيبا بالرأس من المهاجمين، الذين كانوا يحملون السواطير والمناجل".
وتورد بيتش أنه في مستشفى حكومي في كوكس بازار، كان كمال غاضبا على مقاتلي جيش تحرير روهينغا أراكان من قريته مونغداو، الذين هاجموا مركز الشرطة المحلي الشهر الماضي، وقال: "نحن الذين عانينا بسبب حركة اليقين.. لقد اختفوا بعد الهجوم، ونحن من تركنا ليقتلنا الجيش".
وتبين الصحيفة أن القرى المحاصرة في ولاية راكين، ومخيمات اللاجئين البائسة في بنغلاديش، التي يعيش فيها حوالي 800 ألف من الروهينغا، يعيشون في ظروف صعبة جدا، تشكل أرضية خصبة للمجموعات المتطرفة متعددة الجنسيات، حتى لو قال جيش تحرير روهينغا أراكان إنه لا علاقة له بمثل تلك المجموعات.
وتنقل الكاتبة عن أستاذ علوم السياسة والحكم في جامعة إلينويز علي رياض، الذي يدرس التطرف الإسلامي في بنغلاديش والمناطق المحيطة، قوله: "شاهدنا كيف يمكن للحركات الديمقراطية والوطنية أن تختطف من مجموعات إرهابية متعددة الجنسيات.. فوجود استياء مشروع وحالة يأس بين مئات آلاف الناس، وزيادة تطرف حركة، وعدم توازن القوى المشاركة في الصراع، ووجود بعد ديني للأزمة.. ذلك كله يوفر بيئة مواتية"، مشيرا في هذا السياق إلى الدولة الإسلامية في جنوب الفلبين، وكيف استغلت حركة انفصالية موجودة لتبني نفسها عليها، ولتستخدم مقاتلين أجانب، وتهدد استقرار المنطقة، وحذر من أنه يجب ألا تسمح ميانمار ولا الدول المجاورة بحدوث مثل هذا الأمر.
وتذكر بيتش أن زعيم تنظيم القاعدة في اليمن حث المسلمين في آسيا في وقت سابق من هذا الشهر في رسالة له، على التضامن مع الروهينغا بشن حملات ضد "أعداء الله".
وتفيد الصحيفة بأن جيش تحرير روهينغا أراكان، التي أنشأها عطاء الله، وهو باكستاني المولد وسعودي المنشأ، لم يبلغ من القوة درجة يهدد بها أحد أقوى الجيوش الآسيوية، مستدركة بأنه بالرغم من مشاركة الآلاف في هجوم 25 آب/ أغسطس، إلا أنهم تمكنوا من قتل حولي 12 شرطيا فقط، وكانوا قتلوا 9 رجال شرطة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في الوقت الذي قتلت فيه مجموعات أخرى، مثل
جيش أراكان، الذي يكافح لأجل حقوق إثنية الراخين، 300 جندي على الأقل في النصف الأول من العام الماضي، بحسب وثيقة عسكرية.
وتشير الكاتبة إلى أن حكومة ميانمار لم تصنف أيا من حركة جيش أراكان أو غيرها من المجموعات الإثنية المسلحة منظمة إرهابية، كما فعلت مع جيش تحرير روهينغا أراكان.
وتختم بيتش مقالها بالإشارة إلى أن ديل محمد، وهو خريج جامعة من الروهينغا ويعيش في بنغلاديش، يسأل: "لماذا تصنفنا بورما بالإرهابيين؟.. إنها كلمة واحدة: الإسلام".