لم تتنظر
الأمم المتحدة طويلا بعد الفيتو الروسي الذي أوقف مد أجل تفويض التحقيق المشترك الذي أنشأته الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 2015 في
سوريا، فأصدرت تقريرا سمت به المتهم بالهجمات على المدنيين: "الجمهورية العربية السورية".
وأرسل التقرير إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس، ليناقشه فورا، الجمعة، في ضوء مسؤولية النظام السوري عن إطلاق غاز السارين على
خان شيخون في الرابع من نيسان/ أبريل 2017، إلى جانب المسؤولية عن استخدام غاز الخردل في بلدة أم حوش في أيلول/ سبتمبر 2016.
وربما كان القرار تأخر عاما كاملا لو وافقت
روسيا على تمديد التفويض عاما جديدا، لكن القرار الأممي كان على ما يبدو جاهزا، إذ صدر بعد وقت قصير جدا على ضوء ما تم جمعه في عامين.
وفي العام 2015 شكل مجلس الأمن لجنة خبراء لتحديد المسؤولين عن هجمات باستخدام الأسلحة الكيميائية في مناطق سورية، ونص القرار على أن مهمة الفريق المؤلف من خبراء من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، سيقوم بتحديد المسؤولين عن استخدام المواد الكيميائية كسلاح سواء كانوا أشخاصا أو كيانات أو حكومات.
وبدلا من عرقلة القرارات الأممية ضد نظام الأسد، عجل الفيتو الروسي الاتهام الذي طالما رفضه الروس ونظام الأسد، واتهموا به "الإرهابيين".
ورفض النظام السوري نتائج التحقيق، وقالت وزارة خارجية النظام السوري إن "دمشق تدين اعتماد آلية التحقيق المشتركة على أقوال المجرمين الذين ارتكبوا هذا العمل اللاأخلاقي في خان شيخون وشهود مشبوهين قدمهم الإرهابيون لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ولآلية التحقيق المشتركة إضافة لما قاموا بتسميته المصادر المفتوحة ما يعكس هزلية هذا التحقيق الذي افتقد الحد الأدنى من المصداقية والشفافية".
المحلل الروسي، والخبير بشؤون الشرق الأوسط، أندريه أونتيكوف قال لـ"
عربي21" إن القرار الأممي انحياز واضح للموقف الأمريكي، معتبرا قرار الاتهام مؤسفا.
وعلل أونتيكوف أسفه بأن القرار لا يستبعد أن يكون ردا على الفيتو الروسي على تمديد عمل لجنة التحقيق عاما جديدا.
وأضاف أن روسيا طلبت من محققي الأمم المتحدة زيارة خان شيخون لكنهم رفضوا بحجة أن المكان غير آمن، رغم أن محققين من بريطانيا وفرنسا زاروا المكان بتأمين من فصائل المعارضة.
كما أشار إلى الزيارة الأخيرة لقاعدة الشعيرات، والتي رفض المحققون خلالها أخذ عينات من القاعدة التي يعتقد أن الهجمات
الكيماوية انطلقت منها.
ووصف المسؤول في وزارة الخارجية الروسية ميخائيل أوليانوف أن الخروج بنتائج دون عينات أمر مستحيل، واعتبر الرفض "فضيحة".
وكانت وزارة الخارجية الروسية اعتبرت الجمعة أن تقرير الأمم المتحدة الذي حمل النظام السوري مسؤولية الهجوم بغاز السارين في خان شيخون في نيسان/أبريل الماضي، يتضمن "عناصر متضاربة" كثيرة و"شهادات مشكوكا بصحتها".
وقال مساعد وزير الخارجية سيرغي ريابكوف لوكالة أنباء "انترفاكس" إن قراءة هذا التقرير تثبت وجود "العديد من التناقضات وعناصر متضاربة واضحة واستخدام شهادات مشكوك بصحتها وأدلة غير مؤكدة".
الباحث السوري في مركز عمران للدراسات، معن طلاع، قال إن الفيتو الروسي الأخير له خصوصية، لكونه متعلق بقضية ذات بعد إنساني وحقوقي، ما يعني أنه مستعد للذهاب إلى أقصى أحد في دعمه للنظام السوري، ومنع أي تحرك في المنصات الدولية للإخلال بالشروط الروسية في سوريا، والتي عمل على تطويرها على مدى عامين كاملين.
كما رأى طلاع في حديثه لـ"
عربي21" أن القرار الأممي يأتي في إطار المناورات الدبلوماسية بين الدول الكبرى، إذ أن المجتمع الدولي يحاول عرقلة المسار الروسي في مختلف المجالات.
ولفت إلى أن للفيتو الروسي مآرب أخرى من بينها المناورة والبحث عن مكاسب سياسية في إطار الحرب الباردة بين الدول الكبرى، والصراع الروسي الأمريكي في جميع الأروقة؛ جغرافيا على الأرض، وفي الأروقة الأممية.
وتوقع طلاع فيتو جديد في مجلس الأمن بعد أن قال المجلس إنه يناقش مشروع قرار لمحاسبة المسؤولين عن الهجوم بالسارين الذي أودى بحياة العشرات في خان شيخون.
يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تصرفت بشكل منفرد وقصفت في نيسان/ أبريل الماضي قاعدة الشعيرات السورية بـ50 صاروخ توماهوك من مدمرات بحرية في البحر الأبيض المتوسط قالت إنها طالت مدرجا للطيران، وطائرات، ومحطات وقود.
وشن الجيش الأمريكي بأمر من الرئيس دونالد ترامب، الخميس، ضربة صاروخية قوية استهدفت قاعدة جوية للنظام السوري، وذلك ردا على الهجوم الكيميائي على بلدة خان شيخون في ريف إدلب الثلاثاء، الذي اتُهم نظام الرئيس بشار الأسد بضلوعه فيه.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، الكابتن جيف ديفيز، يومها إن الجيش الأمريكي أخطر القوات الروسية مسبقا بضرباته على قاعدة جوية سورية، ولم يقصف الأجزاء من القاعدة التي يعتقد أن للروس وجودا فيها.