هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على موجة الغضب التي اجتاحت صفوف الأكراد إبان استقالة رئيسهم، مسعود برزاني. ويعزى ذلك بالأساس إلى أنهم يعتبرونه بمثابة بطل، كما أن استقالته من شأنها أن تنسف مشروع دولة كردستان العراق المستقلة، الذي لطالما حلموا به، وناضلوا من أجل تحقيقه.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن عددا من المواطنين الأكراد تظاهروا أمام برلمان كردستان العراق يوم الأحد الماضي؛ احتجاجا على استقالة مسعود برزاني، الذي أعلن عن قراره قبل ثلاثة أيام من نهاية فترة ولايته. وخلّفت هذه الاستقالة حالة من الفوضى في إقليم كردستان العراق، حيث أضرم المتظاهرون النيران في مقرات الأحزاب المعارضة.
وأكدت الصحيفة أن مسعود برزاني، البالغ من العمر 71 سنة، يعدّ بطلا في عيون الأكراد، حيث يلقب "بأمير الجبال"، كما أنه يعدّ العقل المدبر وراء تفعيل الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق الذي يملك مؤسساته الخاصة، انطلاقا من الحكومة والبرلمان، وصولا إلى جهاز الشرطة والجيش. ومقارنة ببقية المحافظات في العراق، يعيش أهالي إقليم كردستان في منأى عن خطر الإرهاب.
وأشارت الصحيفة إلى أن برزاني، من خلال قراره القاضي بالاستقالة، على الأرجح نسف مشروع إقليم كردستان العراق المستقل. في الواقع، يعد استفتاء انفصال إقليم كردستان السبب وراء إشعال فتيل الأزمة. ففي 25 من أيلول/ سبتمبر الماضي، أقر برزاني التصويت على الاستفتاء، على الرغم من معارضة معظم الدول لذلك. فقد كان يعتقد أن كردستان قوية بما فيه الكفاية، خاصة بعد انسحاب تنظيم الدولة من العراق.
وأوضحت الصحيفة أن رئيس إقليم كردستان المستقيل قد اغترّ بنتائج الاستفتاء، التي أثبتت أن 90 بالمئة من الأكراد يؤيدون انفصال إقليم كردستان. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث اتخذ الجيش العراقي هذا "الاستفتاء غير الشرعي" ذريعة لاستعراض قوته واحتلال المناطق التي سيطرت عليها القوات الكردية خلال حربها ضد تنظيم الدولة. ونتيجة لذلك، خسر الأكراد كل الامتيازات التي كافحوا من أجلها.
وأوردت الصحيفة أن برزاني تفطّن إلى أنه أخطأ في حساباته، عندما عول على مساعدة حلفائه في الرد على التدخل العسكري من قبل حكومة بغداد. لكن برزاني وجد نفسه وحيدا في مواجهة القوات العراقية بعد تخلي حلفائه عنه، حيث كان يعتقد أن تركيا ستهب لنجدته، إلا أنها اختارت الوقوف في صف بغداد. ومن جهتها، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية مكتوفة اليدين أمام التوغل العراقي في المناطق الكردية.
وذكرت الصحيفة أن ألمانيا، التي دربت قوات البيشمركة الكردية، لم تكن استثناء، فقد خذلت بدورها إقليم كردستان العراق في مواجهة الجيش العراقي. وفي هذا السياق، أفاد وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل، بأن "كل الأطراف خيرت تجنب أي تصعيد بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق، والتزام الحياد".
وأضافت الصحيفة أن برزاني حاول يوم الأحد الماضي في كلمة على التلفزيون الكردي تأكيد عدم مسؤوليته عن هجمات الجيش العراقي. وفي هذا الصدد، أورد رئيس إقليم كردستان العراق المستقيل أن "الجيش العراقي كان يخطط قبل الاستفتاء للهجوم على إقليم كردستان. ما زالت ثقافة إبادة الأكراد سائدة في بغداد".
وذكرت الصحيفة أن الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، سعى للقضاء على الأكراد. وفي سبيل ذلك، لم يتوان عن استخدام الأسلحة الكيميائية. وحيال هذا الشأن، أفاد برزاني بأن "استخدام العنف من قبل القوات العراقية في صلب الخلافات السياسية أمر مناف للدستور، علما أن هذه الممارسات تندرج في إطار تجذر عقلية الإبادة الجماعية ضد الأكراد".
وتابعت الصحيفة بأن الأجواء في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، متوترة للغاية. وفي هذا الصدد، أعرب عدد من أصحاب المتاجر عن ندمهم على المشاركة في الاستفتاء، الذي دمر الإقليم، حسب تعبيرهم. علاوة على ذلك، يشعر أهالي أربيل بالاستياء من موقف المجتمع الدولي، الذي خذل إقليم كردستان العراق، ومن رئيسهم، على حد سواء.
وأفادت الصحيفة بأن برزاني لم ينسحب من الساحة السياسية الكردية، على الرغم من تقديم استقالته. وفي هذا الصدد، صرح مسؤول الشؤون السياسية والعلاقات العامة في مكتب رئيس إقليم كردستان العراق السابق، هيمن هورامي، بأن "مسعود برزاني سيترأس المجلس السياسي الأعلى الكردستاني".
ومن المثير للاهتمام أن رئيس إقليم كردستان العراقي المستقيل يتمتع بتأثير بليغ على النخبة الكردية. فضلا على ذلك، يشغل ابن أخيه، نيجيرفان برزاني، منصب رئاسة الوزراء، في حين يتولى ابنه مسرور برزاني رئاسة مجلس أمن إقليم كردستان.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن استقالة مسعود برزاني ليست اعتباطية، وجاءت بعد تفكير طويل وتخطيط مسبق، علما أنه يدرك جيدا بأن حظوظ إقامة وحدة مع الحكومة العراقية ستكون وافرة في حال تخليه عن السلطة. وبالتالي، تعدّ استقالة برزاني من منصبه بمثابة خيار لإنقاذ مشروع الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق.