نشرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى الوضع
الاقتصادي التركي في عهد رجب طيب
أردوغان. وعلى الرغم من الاضطرابات العنيفة التي شهدها الاقتصاد التركي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في سنة 2016، إلا أن الحكومة التركية استطاعت تدارك الأمر سريعا، لتُحقق طفرة اقتصادية كبيرة خلال هذه السنة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، توقع أن يتخطى النمو الاقتصادي في
تركيا حاجز 5.5 بالمئة في سنة 2020. ومن المرجح أن يرتفع حجم القوة الاقتصادية التركية من 850 مليار دولار لهذه السنة، ليصل إلى 1000 مليار دولار سنة 2020. والجدير بالذكر أن إجمالي حجم القوة الاقتصادية التركية بلغ 240 مليار دولار في سنة 2002، وذلك قبل وصول حزب
العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية تمكنت من استقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية، التي وفرت بدورها المليارات لخزينة الدولة. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت مشكلة البطالة تؤرق الحكومة التركية، حيث تشهد تركيا نموا سكانيا ملحوظا، ليس بسبب ارتفاع معدلات الولادة فحسب، وإنما بسبب انخفاض معدل الوفيات على حد سواء. نتيجة لذلك، بقي معدل البطالة في حدود 10 بالمئة، ولم ينخفض، على الرغم من الطفرة الاقتصادية التي حققتها البلاد.
وذكرت الصحيفة أن الليرة التركية فقدت خلال الأيام الماضية أربعة بالمئة من قيمتها مقابل اليورو. وخلال 12 شهرا فقدت الليرة 30 بالمئة من قيمتها، مع العلم أن قيمة الليرة التركية ارتفعت بشكل ملحوظ في غضون السنوات العشر الماضية. ويعزى ذلك إلى الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي قامت بها حكومة أردوغان، الأمر الذي نتج عنه دعم شعبي كبير لحزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل خطته الاقتصادية الناجحة.
والجدير بالذكر أن العديد من ممثلي القطاع الاقتصادي داخل تركيا وخارجها أثنوا على سياستها الاقتصادية، التي تدعم بشكل واضح ثقافة إنعاش التجارة. وأولت حكومة العدالة والتنمية أهمية قصوى لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية منذ توليها مقاليد الأمور. وبناء على ذلك، بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية في سنة 2007 نحو 22 مليار دولار، مقابل مئات الملايين قبل وصول الحزب إلى دفة الحكم.
وأكدت الصحيفة أن الاقتصاد التركي حافظ على ازدهاره، على الرغم من تعرضه لعدة هزات قوية، خاصة إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 2008-2009. وفي السياق ذاته، يعود الفضل لحكومة العدالة والتنمية في الحد من معدلات التضخم الهائلة، التي بلغت 80 بالمئة. في المقابل، باتت تلك الأرقام المزعجة من الماضي في ظل الحكومة الحالية.
وأوضحت الصحيفة أن تركيا استفادت بشكل كبير من تحولها الديموغرافي، حيث تضاعف عدد السكان ثلاث مرات، ليبلغ 80 مليون نسمة، مقابل 28 مليون نسمة سنة 1960. في الأثناء، ازداد التعداد السكاني منذ سنة 2002، حوالي 14 مليون نسمة. نتيجة لذلك، ارتفعت نسبة اليد العاملة في البلاد، فضلا عن عدد المستهلكين في السوق التركية.
وأفادت الصحيفة بأن النمو الاقتصادي السريع في تركيا يقابله زيادة سكانية كبيرة. وعلى الرغم من تأكيدات الخبراء بأن تركيا نجحت بشكل كبير في توفير ملايين فرص العمل، إلا أن معدلات البطالة بقيت على حالها. وأدت العلاقة الطردية بين زيادة السكان والنمو الاقتصادي إلى ثبات نصيب الفرد من الناتج القومي.
وفي السياق ذاته، حذر الخبراء من أن بعض الاقتصادات الناشئة غالبا ما تقع في "فخ الدخل المتوسط"، أي أن تنمو تلك الاقتصادات بصورة سريعة، ولكن بعد فترة تواجه صعوبة في القفز إلى مستوى أعلى من النمو، على غرار جنوب أفريقيا والبرازيل.
وأوضحت الصحيفة أنه ووفقا للخبير الاقتصادي الأمريكي من أصل تركي، دارون عاصم أوغلو، هناك عامل مهم تسبب في الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، ألا وهو وجود مؤسسات تتبع سياسة اقتصادية مستقلة، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الجذرية التي فرضها صندوق النقد الدولي على تركيا بعد إحدى الأزمات الطاحنة. وفي سياق متصل، طالب عاصم أوغلو بإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على قطاع البنوك والاتصالات والطاقة، مؤكدا على أن "الإصلاح الحقيقي انطلق مع تحقق استقلالية البنك المركزي منذ سنة 2001".
وأفادت الصحيفة بأن العديد من المؤسسات الاقتصادية كانت خاضعة تحت وطأة النفوذ السياسي في الماضي. فعلى سبيل المثال، لم يتخذ البنك المركزي أي إجراءات تجاه معدل التضخم، الذي زاد عن 12 بالمئة. وفي سياق آخر، لن يوقف رفع سعر الفائدة ارتفاع الأسعار فحسب، وإنما سيزيد من معدلات النمو، الذي سيضمن بدوره إعادة انتخاب أردوغان في سنة 2019.
وفي الختام، بينت الصحيفة أنه ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بلغ معدل الإنتاجية في تركيا 7.7 بالمئة منذ سنة 2001 وحتى سنة 2007. ومنذ ذلك الحين، عاود معدل الإنتاج انخفاضه، ليصل إلى نسبة 1.9 بالمئة حتى سنة 2012.