هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تزايدت أعداد الهجمات على المسلمين والمؤسسات الإسلامية في ألمانيا، وإن
كانت أعداد المصابين نتيجة لذلك أقل مقارنة بما مضى، ولكن الأرقام الحقيقية أكثر مما
هو معلن حتى الآن، ويرجح أن غالبية تلك الهجمات قام بها أشخاص ينتمون لليمين المتشدد.
وسجلت السلطات الألمانية في الربع الثاني من هذا العام 274 حالة اعتداء
بدافع كراهية الإسلام، و217 في الربع الثالث من العام 2017، في حين سجلت 200 حالة اعتداء
في الربع الأول من العام نفسه، بحسب ما نقلت صحيفة "نويه أوزباروكر" الألمانية.
وقد جرح تسعة أشخاص في الاعتداء الذي وقع بالربع الثالث من العام الحالي،
بينما كان الجرحى في الربع الأول من العام 16 شخصا، إلى ذلك ارتفعت الاعتداءات على
المساجد والأماكن الدينية من 13 اعتداء في الربع الثاني من العام إلى 16 اعتداء في
الربع الثالث، وفقا للصحيفة.
بروز اليمين المتطرف
بدوره، أكد دانيال عابدين، عضو مجلس الشورى الممثل للمسلمين بمدينة هامبورغ،
أن الاعتداءات على المسلمين والمؤسسات الإسلامية أكثر مما هو معلن، ويزداد من عام لآخر،
وقد سجل العام الحالي مئات الحالات، لا سيما على النساء.
وأوضح أن تلك الاعتداءات تنوعت ما بين تأليب على المسلمين أو على اللاجئين
في مراكز الإيواء، وإرسال تهديدات وهجمات على نساء محجبات أو رجال مسلمين ملتحين في
الشوارع، بالإضافة لكتابة شعارات نازية على المنازل".
وأرجع عابدين، خلال حديث له مع "عربي21" أغلبية هذه الاعتداءات
لما اعتبرها مخاوف من "التطرف الإسلامي" أو "تحويل ألمانيا لدولة إسلامية"،
وهو الأمر الذي ساهم ببروز نجم حزب البديل اليميني المتشدد، وقد حصل على 13% في البرلمان،
وهذا بحد ذاته يجعل العنصرية أكثر قبولا بالمجتمع الألماني.
دور كبير للإعلام
واعتبر عابدين أن الإعلام ساهم في تعزيز ظاهرة الإسلام فوبيا بالمجتمع،
فقد لعب دورا كبيرا بتنمية هذا الأمر داخل البلاد؛ لأنه يركز على ظلم "التطرف
الإسلامي"، دون الالتفات للتطرف اليميني المتشدد، فلا يقوم هنا الإعلام بدوره
لتغطية الاعتداءات على المسلمين من قبل المتطرفين اليمنيين بالشكل المطلوب.
كما أرجع ذلك إلى بعض التصرفات الخاطئة من قبل بعض المسلمين، الذين جاءوا
حديثا في ظل موجة اللاجئين، بالإضافة إلى ما يحصل بالشرق الأوسط من خلال الرسالة التي
تصل عبر الإعلام عن المنظمات المتطرفة التي تحسب نفسها على المسلمين، وهذا يغذي الصورة
المعادية للمسلمين.
ولفت إلى هناك تخوفا في ألمانيا من أن ينقلب الأمر من تخوف من تطرف إسلامي
إلى تطرف ضد الإسلام والمسلمين، مؤكدا على أن من يقومون بالاعتداءات هم حفنة قليلة
من المتطرفين، وهم أقلة من الشعب الألماني، الذي يعد شعبا منفتحا ومتقبلا للآخر.
وحول ما يروجه البعض من مخاوف بتحول ألمانيا لدولة إسلامية، اعتبر عابدين
هذا الأمر ب "الشيء السخيف"؛ لأن أعداد الألمان تفوق ثمانين مليونا، في حين
أن المسلمين لا يزالون أقليلة لا يزيدون عن خمسة ملايين في أحسن الأحوال، وليسوا كلهم
متدنيون، رغم أن حرية الدين مكفولة في الدستور الألماني.
السعي لشيطنة الإسلام
وقال محمد طه صبري، مدير مسجد ومركز دار السلام ببرلين: "إننا ننظر
بخطورة لهذه الاعتداءات التي تستهدف الإسلام، سواء كانوا أشخاصا أو رموزا، والسعي لشيطنة
الإسلام كديانة، ونزع صفة الدين عنها، ووسمها بالايدلوجية الخطيرة التي لا بد من محاربتها".
وأضاف لـ"عربي21": "نلاحظ من خلال موقعنا الحجم الكبير
من الاعتداءات التي شملت كافة المدن الألمانية، ولم تقتصر فقط على الشرق الألماني المعروف
بأن فيه نسبة كبيرة من الكارهين للأجانب وللمسلمين بشكل خاص".
وأوضح صبري أن هناك عوامل عدة وأسباب لهذه الاعتداءات، أولا صعود وانتشار
بل وترسخ التيار اليمني المتطرف والعنصري، الذي أصبحت له منابر ومؤسسات إعلامية، ويتحرك
بنوع من الأريحية في المجتمع، الذي بات هو أيضا يميل جزء منه ليس بالبسيط لليمين، وأصبح
هناك تقبل لأشياء عنصرية كانت محظورة سابقا في ألمانيا، وحتى أن هناك بعض التسامح مع
بعض هذه التصرفات.
وأرجع صبري تنامي ظاهرة التيار اليميني لبعض التخوف من الإسلام، وهو الأمر
الذي انعكس كردة فعل، ولكن "العنصرية لها أرضية موجودة، والآن عندما وجدت البيئة
المناسبة لها أصبحت تنمو بشكل سرطاني".
ولم يغفل مدير مركز دار السلام ببرلين بأن تصرفات بعض المسلمين أججت من
مشاعر الكره، لا سيما الأعمال الإرهابية التي تحدث باسم الإسلام، وبعض تصرفات البعض
اليومية "غير اللائقة" التي تقع في الشوارع.
واتفق صبري مع رأي عابدين بأن الإعلام هو السبب الرئيس الآخر؛ كونه يستغل
هذه الأمور السلبية ويقوم بتضخيمها، ليقوم بتشويه صورة الإسلام الذي يعده (أي الإعلام)
خطرا وسيغير وجه البلاد وشكل المجتمع، وكأن أوروبا مقبلة على عملية غزو فكري وثقافي
وبشري إسلامي كبير جدا.
وحول سؤاله عن واجبات الجالية المسلمة تجاه هذا الأمر، أجاب صبري بأن
"علينا أن نقوم بكثير من اللقاءات والندوات والدراسات في الشارع والمؤسسات والمعاهد
والمدارس والجامعات والنوادي الثقافية؛ لتوضيح هذا الدين، ولتصحيح الصورة الخاطئة المرسومة
لديهم، وأن نقوم بتطمينهم بأننا لا نريد قلب الموازين وتغيير المجتمع، بل المساهمة
في نهضته ورفاهيته.
من ناحية أخرى، طالب الدولة الألمانية بالقيام بواجبها لفتح المجال للأقلية
المسلمة، وإعطائهم الفرص التي يستحقونها، وأن يكون هناك عدالة في الإمكانات والآفاق،
تدعم الحوار المجتمعي، وتدعم مشاركة المسلمين الفعالة في هذه البلاد.