هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استضافت العاصمة القطرية الدوحة، الأربعاء، مؤتمرا دوليا حول الترجمة، شارك فيه عشرات المهتمين بالترجمة من العربية إلى لغات أخرى، من المغرب وتونس وفلسطين والجزائر وليبيا، ودول أوروبية وأسيوية، وقال المنظمون إن المؤتمر بمثابة جواب علمي وثقافي على الحصار الذي تفرضه كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر منذ بداية حزيران/ يونيو الماضي.
وتستمر أشغال المؤتمر، الذي عرف مشاركة 150 باحثا وأكاديميا ويحمل عنوان "الترجمة وإشكالات المثاقفة"، إلى يوم غد الخميس، فيما اعتبر المنظمون المشاركة المكثفة للمهتمين بمجال الترجمة، بمثابة كسر للحصار عن قطر.
كسر الحصار
وفي الكلمة الافتتاحية، قال رئيس منتدى العلاقات العربية والدولية حول الترجمة بقطر محمد حامد الأحمري، إن الترجمة تكسر الحصار المضروب على قطر، داعيا إلى ضرورة الاهتمام أكثر بترجمة الفكر والعلوم من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، بدل الاكتفاء فقط بترجمة الروايات.
وانتقد المتحدث "التحيز" الذي تعانيه الثقافة العربية فيما ينقل عنها، مشيرا إلى أنه يتم نقل إما الخرافات أو أمور متطرفة، وشدد على ضرورة القطع مع التحيز لاتجاه الشرق أو الغرب، "لأنه متحيز أولا، وثانيا لأنه قسم الشارع العربي"، مضيفا "حتى لدى المحكمين أحيانا نجد بعض التحيزات بسبب الصداقة أو توافق الآراء، غير أن هذا الأمر ينبغي للمحكم العلمي أن يتنزه عنه".
الكتاب العربي
من جانبه تطرق، أستاذ اللغة العربية في جامعة إيكس مرسيليا، إلى ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغة الفرنسية، في محاضرة بعنوان: "الأدب العربي الحديث المترجم إلى الفرنسية محاولة استعراض وتقييم"، ودعا إلى دعم الدول للكتاب المترجم لأنه يكلف أكثر من الإصدار بلغة التأليف".
وأشار المتحدث إلى تأثر الترجمة بالسياسة، وأعطى مثالا بفترة الرئيس المصري الأسبق، جمال عبد الناصر، وكيف قدم كهتلر العرب، ليتحول بعد ذلك انشغال المترجمين بتقديم الرئيس أنور السادات كرمز للسلام.
واعتبر ريتشارد جاكمون، الذي نشر أكثر من 20 ترجمة من العربية إلى الفرنسية، منها روايات للكاتب المصري صنع الله إبراهيم، أن الكتاب العربي المترجم للفرنسية عن الثقافة العربية يظل محدود جدا.
واستدرك بأن الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية عرفت تطورا، من سنة 1967 التي ترجم فيها عمل عربي واحد للفرنسية، إلى سنة 1985 التي حاز فيها الأديب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، مرورا بسنة 1992 وهو تاريخ ميلاد أول دار للنشر متخصصة في ترجمة الأعمال العربية.
واعتبر المتحدث أن ترجمة رواية "عمارة يعقوبيان" للكاتب المصري علاء الأسواني في سنة 2006 من العربية إلى الفرنسية، والتي بيع فيها ما يزيد عن 500 ألف نسخة فرنسة مؤشر على تطور الترجمة من العربية للفرنسية.
بين الإساءة والتثمين
من جانبه قال أستاذ النقد الحديث ونظرية الأدب والسيميولوجيا بجامعة الجزائر، محمد ساري، إن بإمكان الترجمة أن تشكل تثمينا للمنتوج الأصلي، كما بإمكانها أن تسيء للكاتب الأصلي.
وفيما يخص "التثمين"، قدم المتحدث مثالا على ذلك بكتاب "ألف ليلة وليلة"، الذي أضيف له ثلاث قصص عند ترجمته للغات أخر، وهي "مصباح علاء الدين" و"علي بابا والأربعون حرامي" و"سندباد"، ثم عادت للعرب من جديد، مشيرا إلى أن الحكايات الثلاث من صميم كليلة ودمنة.
وبخصوص "الإساءة"، استدل الروائي والمترجم الجزائري، بكتاب "مقدمة ابن خلدون" وكيف شوهته بعض الترجمات وخلقت جدال وانتقادات لاذعة، إذ نسب لابن خلدون ما لم يقله، مضيفا أن نفس الشيء وقع عند ترجمة رواية "البؤساء" للروائي فيكتور هيغو، التي تعرض معناها لتشويه في بعض الترجمات.
ترجمات القرآن
وفي سياق متصل، أشار مدير معهد الملك فهد للترجمة بطنجة، نور الدين الشملالي، إلى أن ترجمات معاني القرآن الكريم تعرف نقائص عدة من السهو إلى التعمد إلى الصعوبات التي تفرضها اللغة العربية، موضحا أن الفعل القرآني له أكثر من دلالة ويحتاج لكثير من التمحيص والعودة للمعاجم لإعطاء الفعل القرآني حقه.
واستطرد الشملالي، في محاضرة له بعنوان “تحديات واستراتيجيات ترجمة الفعل القرآني إلى اللغة الفرنسية”، قائلا إن هناك عددا من الهفوات في محاولات "عقيمة" لترجمة معاني القرآن الكريم "فتم تحريفها أو تشويهها وقلب معانيها"، لافتا إلى وجود "أخطاء لغوية ونحوية لا حصر لها"، واستدل في هذا الصدد بما تضمنته ترجمات محمد حامد الله وكازيميرسكي وبلاشير وجاك بيرك.
وخلص الأكاديمي المتخصص في اللسانيات العربية والنظرية والشكلية، إلى أن أسباب الهفوات في ترجمة معاني القرآن الكريم، تكمن في الضعف وغياب الأمانة في الترجمات وعدم الإلمام باللغة العربية.
أبحاث
ويناقش المؤتمر 42 بحثا أجازتها اللجنة المنظمة للمؤتمر من مجموع أكثر من 500 ملخص بحثي تم عرضها عليها، وذلك خلال ثماني جلسات وزعت على اليوم الأربعاء وغدا الخميس.
ويتضمن اليوم الأول 5 جلسات، تناقش إشكالات الترجمة العربية/ الفرنسية، وإشكالات الترجمة العربية من اللغات الشرقية وإليها (اليابانية، الصينية، الفارسية، الأردية، الملايو) وإشكالات ترجمة المصطلح ونقد تجارب ترجمية ومحور إشكالات تحرير الترجمات، إضافة إلى عقد جلسة نقاشية مفتوحة حول إشكالات الترجمة الأدبية من العربية إلى الإنجليزية.
ويعتبر المؤتمر ملتقى ثقافيا وفكريا للمترجمين العرب والأجانب، حيث تعددت محاور المؤتمر في مواسمه الثلاثة الماضية لتتناول الترجمة وإشكالياتها في ميادينها المختلفة: الأدبية والفلسفية والتقنية والعلمية والدينية.