هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نوفال أوبسرفاتور" الفرنسية حوارا أجرته مع المؤرخ الفرنسي والخبير في تاريخ قارة أمريكا اللاتينية، سيرج غروزينسكي، الذي أماط اللثام عن كيفية بسط أوروبا لسيطرتها على العالم، من خلال إعادة صياغة تاريخ الدول التي قامت بغزوها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن كتابة التاريخ كانت جزءا هاما من تركيز نظام العولمة خلال القرن السادس عشر ميلادي.
وتزامن اكتشاف الإسبان للعالم الجديد، مع ظهور حركة لم يسبق لها مثيل من التواصل بين مختلف القارات، والأشخاص، والمعتقدات.
وساهمت هذه الحركة في إحداث تغييرات على المستوى الفكري للإنسان، الذي ارتقى به من محيطه المحلي الضيق ليبلغ النطاق الإقليمي والعالمي، وهذا ما يطلق عليه غروزينسكي مصطلح "الوعي العالمي" الذي شكل الملامح الأولى لعالمنا الحالي.
واستفسرت الصحيفة عن كتاب سيرج غروزينسكي، تحت عنوان "آلة الزمن". وفي هذا الخصوص، أقر المؤرخ بأنه أراد من خلال هذا الكتاب أن يثبت إلى أي مدى ساهمت إعادة صياغة التاريخ في ديناميكية حركة العولمة، حيث لم يعتمد الإسبان في غزوهم للعالم الجديد على الجانب العسكري فحسب، بل حاولوا أيضا "فبركة" ماضي السكان الأصليين. وقد رسخوا هيمنتهم من خلال كتابة تاريخ الشعوب التي غزوها.
ونقلت الصحيفة قولا لهذا المؤخر أفاد فيه بأن "المملكة الإسبانية قد أدركت أن فرض السلطة بالقوة مرتبط أساسا بالوعي المعرفي. ومع غزو المكسيك سنة 1530، استهل الإسبان غزوتهم بدعوة رجال الدين المسيحيين إلى جمع أكثر معلومات عن السكان المحليين. وكان الهدف من ذلك الاستفادة من أية معلومة عن العالم الجديد لاستغلال أكثر ما يمكن من ثرواته، والتي بالطبع تصب في مصلحة الاقتصاد الإسباني".
كما أوضح المؤرخ الفرنسي أنه "بعد ذلك، عمل الإسبان على كتابة تاريخ هذه الشعوب بخط أيديهم من خلال جمع معلومات عن التاريخ المحلي وربطها بالتراث الأوروبي القديم، تحديدا خلال الهيمنة المسيحية على القارة العجوز في القرون الوسطى".
وقالت الصحيفة إن غروزينسكي استشهد بأحد المؤرخين الإسبان الذي شارك في كتابة تاريخ الشعوب التي غزوها، وهو المبشر الإسباني "مونتولينا"، الذي سلط في كتاباته الضوء على العديد من أوجه الشبه بين الطامات العشر التي أصابت مصر القديمة وبين غزو العالم الجديد. كما ربط مونتولينا بين تدمير مدينة القدس وبين غزو المكسيك، ليجعل من هذا الغزو فتحا يطابق ما جاء به الكتاب المقدس.
وبحسب ما أدلى به غروزينسكي، فإن الأوروبيين لم يعيدوا كتابة تاريخ وماضي هذه الشعوب كما تتم كتابة المناهج المدرسية، وإنما أعادوا صياغة التاريخ بما يتطابق مع تعاليم المسيحية. وبصفة أوضح، صياغة قالب جديد، وطريقة تفكير مغايرة تماما للماضي.
وأوردت الصحيفة مثالا استدل به المؤرخ الفرنسي لتوضيح ما قام به الأوروبيون، حيث قال "غير الغزاة الإسبان التقويم الزمني للسكان الأصليين من الهنود، وأجبروهم على التعامل بالتقويم المسيحي. وقد تغيرت نظرة الهنود للعالم الذي أضحوا يرونه "بأعين" أوروبية مسيحية، ليحتل بذلك الرجل الأوروبي هذه الشعوب ويدمر عالمها الخاص".
وتساءلت الصحيفة عن ردة فعل السكان الأصليين تجاه التغيير الذي أحدثه الأوروبيون. في هذا السياق، نوه سيرج غروزينسكي بأن "نخب السكان الأصليين لم تبق مكتوفة الأيدي، بل بحثوا عن كيفية تثمين ثقافتهم الخاصة من خلال الدفاع عنها واعتبار أن ما جاء به الرجل الأوروبي ليس "مثلا يحتذي به".
وذكرت الصحيفة أنه على المدى البعيد، انقلبت القيم التي عمل الأوروبيون على ترسيخها، خلال غزواتهم التي طالت كلا من القارة الأمريكية، والأفريقية، والآسيوية، ضدهم. ولعل أكبر دليل على ذلك، تنامي الحركات القومية خلال القرن التاسع عشر في العالم أجمع، حيث تبنى، ماو تسي تونغ في الصين الفكر الماركسي، الذي نشأ في أوروبا، لكي يكتب بدوره تاريخ بلاده بحسب ما يتماشى مع رؤاه.
وأشارت الصحيفة إلى أن المؤرخ الفرنسي قد صاغ تعريفه الخاص "للعولمة"، حيث أكد أنها "ظاهرة انتشرت في العالم، ساحقة كل من يعترض طريقها. في المقابل، يشكل القرن السادس عشر نقطة تحول كبرى في تاريخ العولمة، فالتاريخ الذي كتب في أوروبا تتخلله وجهة نظر أوروبية ومسيحية".
وفي الختام، ذكرت سيرج غروزينسكي أنه "بعد أن ولى عهد إسبانيا، التي كانت بمثابة المحرك الذي يشغل نظام العولمة خلال القرن السادس عشر، برزت كل من القوة الفرنسية والإنجليزية كي تحمل المشعل عن الإسبان خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ميلادي...أما في الوقت الراهن، تعد الصين، بالنسبة لي، المحرك الذي ينشط ديناميكية العولمة".