هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعيش العديد من المدن الإيرانية، منذ نحو أسبوع، على وقع احتجاجات، تختلف حدتها من مدينة لأخرى، رفضا لإجراءات التقشف ورفع الأسعار على عديد السلع الرئيسية في موازنة 2018.
الاحتجاجات التي أودت بحياة أكثر من 20 مواطنا، تطالب بإلغاء الزيادات على أسعار الطاقة، والتراجع عن قرار رفع الدعم عن ملايين الأفراد المستحقين له.
ويواجه الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي انتخب لولاية رئاسية ثانية العام الماضي، مستويات تضخم غير مسبوقة في البلاد.
وفاقت نسب التضخم 45 بالمئة، بحسب تقديرات غير رسمية، بينما كان الناخبون يرون في روحاني المخلص من الغلاء الذي استشرى في البلاد قبل عدة سنوات، في عهد سلفه أحمدي نجاد.
ونجح الرئيس الحالي تدريجيا في خفض نسب التضخم، لتسجل 3.8 بالمئة في 2016، قل أن تبدأ رحلة صعود من جديد في 2017.
ويأتي ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الماضية، تزامنا مع استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، التي رفعت عنها شكليا مطلع 2016.
ظروف صعبة
حاول الرئيس روحاني منذ توليه الرئاسة، كبح جماح التضخم والقضاء على البطالة، إلا أن الأخيرة كانت صعبة على الرئيس؛ نتيجة لشح الاستثمارات.
وتعرض الاقتصاد الإيراني خلال سنوات العقوبات الاقتصادية إلى تراجع حاد، وتخارجت عديد الاستثمارات الأجنبية، بينما لم تكف الاستثمارات المحلية لخفض نسب البطالة.
وأعلن وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أن نسبة البطالة في بعض مدن بلاده وصلت إلى 60 بالمئة.
وقال "فضلي"، في تصريحات صحفية، إن معدل البطالة الحالي في إيران يفوق 12 بالمئة، بينما وصلت النسبة في بعض المدن، ومنها في محافظتي كرمانشاه (الكردية) والأهواز (العربية) وبلوشستان، إلى 60 بالمئة.
والشهر الماضي، أعلنت إيران عن موازنة العام المالي 2018، بقيمة إجمالية تبلغ 341 مليار دولار، دون عجز.
وتتضمن الموازنة تعزيز الإيرادات، عبر رفع أسعار الوقود بنسب تصل إلى 50 بالمئة، ورفع الدعم عن العائلات الفقيرة بنسب متفاوتة.
وبدا واضحا أن ذلك الدافع الرئيسي وراء خروج الإيرانيين والاحتجاج في الشوارع، في وقت فشلت فيه الحكومة في احتواء نسب التضخم وخفض نسب البطالة.
وتحتاج السوق الإيرانية لخفض نسب البطالة إلى 800 ألف فرصة عمل جديدة سنويا، وهو أمر غير ممكن حاليا.
إخفاق اقتصادي
وإلى جانب العقوبات، فإن أسباب عدم نجاح الحكومة في النهوض بالواقع الاقتصادي، تتمثل في عاملين، العامل الأول، كان في سوء الإدارة في عملية توظيف وتهيئة فرص العمل في المدن الإيرانية المختلفة، إذ صرح وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا فضلي، بداية الأزمة الاقتصادية، بأن عدد العاطلين عن العمل يتجاوز النسبة المعلنة، والتي هي بحدود 12 بالمئة.
العامل الثاني، والذي ساهم في جعله سببا رئيسيا وخفيا في تصاعد النقمة الشعبية على ممارسات النظام، هو ما صرح به الرئيس روحاني عند الحديث عن الميزانية السنوية في شباط/ فبراير من العام الماضي.
تصريحاته التي لم يسبق التطرق لها من قبل، تتعلق بمقدار الأموال التي تذهب إلى المؤسسات الدينية غير الخاضعة للتدقيق والمساءلة والمراكز البحثية المرتبطة بها، إضافة إلى المؤسسات المقربة من السلطة.
في هذا الشأن، صرح الصحفي الإيراني "أميد معماريان"، لموقع "بازفيد" الإيراني البحثي، بأن الإيرانيين باتوا على دراية تامة الآن بأن الطبقة الدينية تستأثر وبشكل أساسي بالجزء الأكبر من الميزانية دون أي مساءلة، في الوقت الذي يمر فيه المواطن بظروف معيشية صعبة.
مطالب المتظاهرين
من ناحية أخرى، فإن مطالب المتظاهرين تجاوزت مطالب الإصلاحيين، وأصبحت تدرك أن المساحة المسموح بها لتلك الفئة لا تكفي ولا تغني ولا تلبي متطلبات المرحلة المقبلة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
ويدرك المطلعون أن الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في إيران، كانت موجهة بصورة مطلقة ضد النظام العام في البلد، وليس فقط ضد الفساد المالي والوظيفي والطبقي بصورة منعزلة.
ومدينة مشهد التي شهدت احتجاجات واسعة في الأيام الماضية، هي ثاني أكبر المدن الإيرانية، وتتمتع بمزايا لا تتوفر لغيرها من المدن، فهي مدينة تعتمد بشكل مباشر على السياحة الدينية؛ لوجود ضريح الإمام الرضا.
وتأثرت المدينة بأحداث مهاجمة السفارة السعودية في طهران، وقطع السعودية علاقاتها مع إيران إثر الهجوم، حيث توقفت الرحلات والزيارات الدينية التي كانت تقوم بها أفواج الزائرين من بلدان الخليج العربي والجزيرة العربية.
ويمكن إضافة سببين آخرين؛ أولهما أن البنوك التي أعلنت إفلاسها في إيران مؤخرا، جلها من مدينة مشهد، ففقد كثير من أهالي المحافظة أموالهم، فيما لم تقم الحكومة الإيرانية بتعويض المتضررين.
والسبب الثاني، قد يكون في خسارة 160 ألف عائلة مشهدية أموالها في مشروع شانديز السكني، عبر عملية احتيال واسعة تشير أصابع الاتهام إلى تورط مسؤولين متنفذين بالنظام فيها.