هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها توماس إردبرينك، يتحدث فيه عن الأحداث الأخيرة في إيران من تظاهرات واحتجاجات.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن التظاهرات التي أدت إلى مقتل 21 شخصا، التي انتشرت في المدن الإيرانية كلها، جاءت نتيجة سوء تقدير في معركة طويلة على السلطة بين المتشددين والإصلاحيين.
ويستدرك الكاتب بأن قادة إيران جميعا لم يستطيعوا تجنب التظاهرات، وأجبروا على الرد عليها بشكل علني، حيث اتهم آية الله علي خامنئي "الأعداء" الخارجيين لإيران، لكنه لم يحدد من هم، فيما دعا الرئيس المعتدل حسن روحاني للهدوء، قائلا إنه من حق المتظاهرين الخروج والاستماع لمطالبهم.
وتجد الصحيفة أن "الغضب الذي عبر عنه المتظاهرون كان موجها ضد المؤسسة السياسية، وفي الوقت الذي قادت فيه الطبقة المتوسطة التظاهرات عام 2009، فإن تظاهرات اليوم مدفوعة بالطبقة العاملة والشباب، الذين يشعرون بالحرمان في المناطق الريفية والبلدات والمدن الصغيرة، والذين وجدوا منفذا للتعبير عن إحباطهم من النخبة السياسية، التي اختطفت الاقتصاد، وجعلته في خدمة مصالحها، حيث تصل نسبة البطالة بين السكان إلى 40%، فيما أنفقت إيران في السنوات الماضية المليارات من الدولارات للتأثير على العراق وسوريا ولبنان".
ويلفت التقرير إلى أن المحفز الرئيسي للتظاهرات هو تسريب أجزاء من ميزانية حكومة روحاني، التي اشتملت على مخصصات للمؤسسات الدينية، حيث أن الإيرانيين اكتشفوا أن مليارات الدولارات تذهب إلى المؤسسات التي يديرها المتشددون والجيش والحرس الثوري والمؤسسات الدينية، التي تثري نخبة رجال الدين، مشيرا إلى أنه مقابل السخاء الذي أبدته الحكومة مع هذه المؤسسات، فإنها اقترحت في ميزانيتها رفع الدعم المالي عن ملايين المواطنين، وزيادة أسعار الوقود، وخصخصة المدارس الحكومية.
ويقول إردبرينك إنه "قصد من هذا التسريب أن يستغل مشاعر الحنق الشعبية، وقد فعلت، وانتشرت التعليقات الغاضبة مثل النار في الهشيم على تطبيق (تلغرام)، الذي يستخدمه أكثر من 40 مليون إيراني، حيث قال مهدي (33 عاما) من عزة، وهي بلدة فقيرة من خوزستان: (لقد شعرت بالغضب)، وأضاف: (هناك الكثير من الأجهزة الدينية التي تتلقى ميزانيات كبيرة، فيما نكافح في مواجهة البطالة)".
وتذكر الصحيفة أن المتشددين حاولوا يوم الخميس انتهاز الفرصة، وتشجيع تظاهرة في مدينة مشهد، حيث هتف المتظاهرون "الموت للديكتاتور" و"الموت لروحاني"، وأكد مسؤول أمني إيراني أن إمام الجمعة في مشهد أحمد علم الهدى، وهو متشدد، استدعي من مجلس الأمن القومي؛ لشرح الدور الذي أداه في التظاهرة في مشهد.
ويفيد التقرير بأن صور هذا التجمع انتشرت بشكل واسع، حيث كان السكان يناقشون لأسابيع الميزانية المقترحة، وشعر الإيرانيون المحبطون بالجرأة، مشيرا إلى أنه في رد على تظاهرة مشهد، فإن أحد مستشاري الرئيس روحاني، وهو حسام الدين أشنا، أرسل تغريدة يوم الجمعة، سلط فيها الضوء على "التوزيع غير المتوازن للميزانية".
وينوه الكاتب إلى أن القوات الإيرانية تنشط في أكثر من بلد في الشرق الأوسط، وحصلت على حصة 11 مليار في الميزانية بزيادة 20%، بالإضافة إلى أن معهدا يديره محمد تقي مصباح- يزدي سيحصل على مخصص ثمانية أضعاف ما كان يخصص له قبل عقد.
وتبين الصحيفة أن "السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية والمدن الصغيرة ظلوا عصب الدعم للحكومة الإسلامية، الذين عادة ما يتسمون بالمحافظة، ويعارضون التغيير، ويتبعون النظام الإسلامي المحافظ الذي تروج له الدولة، ففي أقل من عقد من الزمان تغير هذا كله، فجفاف 14 عاما أفرغ القرى التي انتقل سكانها إلى المدن القريبة، حيث يكافحون عادة للحصول على وظائف، ووسعت الفضائيات وشبكات التلفزة من رؤيتهم عن العالم، وأهم تطور حدث على حياتهم هو الهواتف الذكية التي توفرت بشكل واسع".
وينقل التقرير عن مهدي، قوله: "شاهدت على (إنستغرام) صورة لامرأة في طهران بجانب سيارة (سوف) وكتبت تقول إنها تنفق 3 آلاف دولار على الحيوانات الأليفة التي تملكها"، ويضيف أن "شخصا يمكنه أن يعيش على هذا المبلغ لمدة عام، وشعرت بالغضب"، حيث تشتهر بلدته بكونها المنفى لمن تغضب عليهم المؤسسة القضائية، فيقول: "تغيرت المدينة خلال السنوات الماضية، ولا يوجد ترفيه أو حتى سينما، وأصبح البعض يتعاطون المخدرات".
ويشير إردبرينك إلى أنه عندما اندلعت التظاهرات في عزة، فإن قوات الأمن قتلت اثنين من المتظاهرين، منوها إلى أن محمد علي نجاد كان في طهران يجلس خلف مقود سيارته "البيجو" المتهالكة، وسمع عن التظاهرات، حيث قال: "كنت مشجعا لها.. أريد أن يذهب رجال الدين هؤلاء، لقد دمروا حياتي".
وبحسب الصحيفة إلى أن نجاد أصيب بشظية أثناء الحرب الإيرانية العراقية، ولا تزال في رأسه، حيث أن وضعه بصفته مصابا ومقاتلا سابقا يعفيه من الخدمة العسكرية لمدة عامين، لكنه عندما حاول استخراج أوراقه وجد نفسه وسط دوامة البيروقراطية الإيرانية، فيقول: "كان علي أن أدفع الرشوة، وإلا فلن نحقق شيئا، وفي النهاية لم نحصل على ما نريد"، ولام رجال الدين على كل شيء، من الخصخصة والفساد واللامساواة والعمل لساعات طويلة بأجر قليل، ويضيف: "لا يهمني لو أصبح بلدي عراقا جديدا أو سوريا جديدة، لكنني محبط منهم، وأريد أن يذهبوا، وبعدها نفكر في اليوم الآتي".
ويلفت التقرير إلى أنه في مدينة قم، مركز التعليم الديني، قال أحد رجال الدين إنه قلق من مستوى الغضب، فيما قال فاضل ميبودي: "يشعر الناس بالغضب عندما يرون المخصصات المالية لرجال الدين وأئمة الجمعة في الميزانية.. ومعظم هؤلاء كبار في العمر، وليس لديهم جاذبية بين الشباب".
ويبين الكاتب أنه مع انتشار الاحتجاجات في أنحاء إيران كلها ، 40 مدينة وبلدة، فإن طهران ظلت هادئة، مع أنها شهدت في عام 2009 احتجاجات لثلاثة ملايين متظاهر، مستدركا بأن أهل طهران خافوا هذه المرة من "التظاهرات الغاضبة التي ليس لها قائد".
وتورد الصحيفة نقلا عن بائع العسل ومواد التجميل حميد رضا فراجي، قوله: "هؤلاء غاضبون، ومن حقهم، لكن ليست لديهم خطة لليوم التالي"، وأضاف: "لا نستطيع المضي وتغيير قادتنا"، ولا أحد من الذين يعرفهم راغبون بتحول إيران إلى عراق أو سوريا جديدين.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول فراجي: "هتف الكثير من المتظاهرين: لا غزة أو لبنان وسأمنح حياتي لإيران.. لكننا دخلنا هذه اللعبة السيئة في المنطقة، وعلينا الانتهاء منها، وليس لدينا أي خيار، بل الخيار الوحيد هو العيش مع قادتنا حتى يكون لدينا بديل أفضل".