هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ" السويسرية مقال رأي للكاتب، دانييل ستاينفورت، سلط من خلاله الضوء على المنهج الإصلاحي في المملكة العربية السعودية. فعلى الرغم من أن الحكام السعوديين قدموا وعودا تتعلق بإجراء إصلاحات، إلا أن هذا المنهج الإصلاحي يهدد بنسف مقومات المملكة، في إشارة إلى أن المنهج الإصلاحي الذي أقره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يهدف إلى القضاء على المنهج الوهابي الذي يحمل إيديولوجيا التنظيمات المتطرفة على غرار تنظيم الدولة.
وقال الكاتب في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في حال أراد الملك القادم للسعودية القيام بإصلاح حقيقي في المملكة، فلن يكون ذلك من خلال منح المواطنين مزيدا من الحرية أو نشر وسائل الترفيه في أرجاء البلاد أو حتى من خلال فرض قيود على نشاط الشرطة الدينية أو الحد من نفوذ رجال الدين في البلاد. علاوة على ذلك، لن يقوم العاهل المستقبلي بإصلاحات حقيقية طالما أن الخطابات الدينية الجوفاء لا تبحث في جذور الأفكار المتطرفة التي تصدرها المملكة.
الفكر الوهابي يعتبر أساس الأفكار المتطرفة التي ظهرت لاحقا في عصرنا الحالي
وعموما، يكون الإصلاح حقيقيا حينما يتم الإعلان عن الانفصال التام عن الفكر الوهابي الذي يسود في المملكة منذ 300 سنة. في المقابل، يبدو أن ذلك ما زال بعيد المنال، إذ أن قناة "وصال" السعودية ما زالت تعلي من نبرة العداء ضد الشيعة، بالإضافة إلى أن القوانين ومناهج التعليم التي تحرض على معاداة المعتقدات الأخرى لا يمكن المساس بهم. في الأثناء، أنفقت المملكة أموالا طائلة بهدف محاربة تنظيم الدولة ورفضت الحديث عن الأيديولوجيا المشتركة بين منهجها ومنهج تنظيم الدولة.
وأفاد الكاتب أن الفكر الوهابي يعتبر أساس الأفكار المتطرفة التي ظهرت لاحقا في عصرنا الحالي. فمنذ صعود تنظيم الدولة كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط خلال سنة 2014، وإعلان أبو بكر البغدادي تأسيس دولة الخلافة في شمال سوريا، توجهت أصابع الاتهام نحو السعودية باعتبارها مهدا للأفكار المتطرفة المرتبطة بالفكر الوهابي.
وأشار الكاتب إلى أن النظام السعودي دشن حملات إعلامية من أجل فض الارتباط بين المنهج الديني للمملكة ومنهج تنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، صرح العديد من المفكرين السعوديين أن تنظيم الدولة يعتبر أحد ألدّ أعداء المملكة في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، يرفض السعوديون وصف أعضاء تنظيم الدولة بالسلفيين أو الوهابيين، وإنما تعتبرهم الأوساط الدينية في المملكة "خوارج الأمة"، الذين يستبيحون قتل الأطفال والنساء على غرار الخوارج الذين ظهروا في القرن السابع ميلادي، وهو ما ترفضه المملكة قطعا.
وأبرز الكاتب أن هؤلاء المفكرين تناسوا أن المملكة ذاتها تأسست على بحور من الدماء التي خلفها أتباع محمد بن عبد الوهاب، بعد أن أعلنوا تكفير كافة المذاهب الإسلامية الأخرى، فضلا عن إعلانهم الجهاد ضدهم. وخلال القرن 18 و19 و20، أخضعوا شبه الجزيرة العربية بأكملها لإمرتهم وأجبروا سكانها على إتباع المنهج الوهابي. علاوة على ذلك، قاموا بهدم الأضرحة الصوفية ومطاردة الشيعة، وهو بالضبط ما يفعله تنظيم الدولة في الوقت الحالي.
وبيّن الكاتب أنه منذ توليه منصب ولي العهد، قام محمد بن سلمان بجملة من الإصلاحات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، متناسيا الحديث عن أية إصلاحات من شأنها أن تطال المنهج الديني للمملكة. وفي هذا السياق، ادعى بن سلمان أنه سيتخلص من المنهج الراديكالي وسيعمل على تطبيق مبادئ الإسلام المعتدل، إلا أنه من المستبعد أن تتحقق هذه الوعود على أرض الواقع.
وأضاف الكاتب أنه على مر السنوات لم تستطع المملكة العربية السعودية التخلص من الفكر الوهابي. فخلال سنة 1979، اجتمع العديد من علماء الدين الوهابيين في المسجد الحرام بمكة لمدة أسبوعين من أجل الإطاحة بالنظام الملكي "غير الإسلامي"، مدعين أنه يجاري الغرب في معتقداته، إلا أن الملك عقد معهم اتفاقا ينشرون بموجبه أفكارهم بين أطياف الشعب السعودي ومنحهم مزيدا من النفوذ داخل المملكة. فضلا عن ذلك، مولهم بمليارات الدولارات المتأتية من النفط بهدف مساعدتهم على نشر منهجهم الوهابي.
لطالما أن الفكر الإصلاحي لا يشمل المنهج الديني، ستظل جميع الإصلاحات التي ادعى بن سلمان تحقيقها، عالقة
وأفاد الكاتب أن الفكر الوهابي تفشى منذ ذلك الوقت في السعودية وأصبحت المملكة مهدا للحركات المتطرفة. ومؤخرا، أدرك ملوك وأمراء المملكة أن الفكر المتطرف متنام داخل السعودية، كما أن هناك شائعات داخل الرياض تقول إن إيران لها يد في تغذية هذا الفكر. في المقابل، كان هناك تحالف في السعودية بين السلطة العلمانية والدينية، في غضون 30 سنة الأخيرة، إلا أن رجال الدين مازالوا يقاومون "علمنة" المملكة من خلال نشر الفكر الوهابي.
وبالفعل، منذ نصف قرن، اندلعت انتفاضة داخل الحرم المكي لمجموعة من المتطرفين يدعون أنهم من أصحاب المذهب الصحيح من الإسلام. وبعد مرور عشرين سنة على ذلك، ظهر أسامة بن لادن، أحد أبناء الفكر الوهابي وأسس تنظيم القاعدة.
وفي الختام، أكد الكاتب أنه لطالما أن الفكر الإصلاحي لا يشمل المنهج الديني، ستظل جميع الإصلاحات التي ادعى بن سلمان تحقيقها، عالقة حيث غالبا ما يفشل المشروع الإصلاحي في أغلب الدول الرجعية التي تعمل على افتعال المشاكل ثم إخمادها.