قالت ورقة نشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن قلة من السعوديين تنبهت إلى الإجراء التقني الذي ينظر فيه مجلس الشورى السعودي ويتيح لخريجي كليات الحقوق الانضمام إلى السلك القضائي في البلاد بعد أن كان حكرا فيما سبق على خريجي كليات الشريعة.
وفي الورقة التي عمل عليها، عبد الله العودة، وناثان براون، جاء أن هذه الإجراء من شأنه مس استقلالية
القضاء السعودي المدى البعيد.
وتتابع أنه في حين ضمانات استقلال القضاء خارج
السعودية عادة ما تكون رسمية؛ مثل إلغاء المحاكم الخاصة، وإنهاء حالات الطوارئ، إلى جانب إنشاء مجالس قضائية متحررة من السلطة التنفيذية، إلا أن الأمر مختلف في السعودية إذا اعتمد السعوديون دوما الضمانات غير الرسمية التي ربما تزول مستقبلا.
وكانت استقلالية القضاء في السعودية وليدة الأساليب التقليدية في التعلم والتدريب والهوية الجماعية التي منحت القضاء قوة كان يحذر منها ويحترمها الحكام السعوديون.
وإلى جانب ذلك كان للنظام القضائي أساس قانون مدون ينص على أن المدرسة الفقيه الحنبلية هي الأساس في المحاكم السعودية، وكان رجال القانون يدرسون الآراء القانونية لمحمد عبد الوهاب وكانوا ينعتون بـ"الوهابيين"، وكانوا يقاومون المأسسة الشاملة لأنهم خافوا أن يمهد ذلك لسيطرة الدولة على الفقه والدين.
وعمدت الدولة السعودية بطرق تدريجية إلى تقليص دور القضاء في السعودية عبر أدوات؛ مثل اعتماد المراسيم الملكية والحكومية كتشريعات مدونة تقلص المساحة المخصصة للتفكير المستقل والاجتهاد الذي يمارسه القضاة.
وأداة أخرى هي تشكيل محاكم متخصصة وهيئات شبه قضائية مستندة بالكامل إلى مراسيم حكومية قوضت اختصاص المحاكم العامة، كالتأمين والضرائب التي أصبحت في عهدة لجان شبه قضائية، ولا يمكن استئناف قراراتها أمام المحاكم العامة.
وأداة ثالثة إلى ممارسة السلطة التنفيذية الإشراف على القضاء ففي 2012 أصبح وزير العدل آنذاك، محمد العيسى، أول من تصلب إلى منصب قضائي، كرئيس للمجلس الأعلى للقضاء، دون التحلي عن حقيبته الوزارية معتبرا أنه أمر ضروري للتعطيل في تطبيق الإصلاحات القانونية والقضائية، الأمر الذي أثار امتعاض بعض القضاة.
كما أن هنالك أدوات قيد التحضير بحسب الورقة المنشورة، تتعلق الأولى بالتعليم والتدريب والتي من شأنها أن توسع دائرة تعيين القضاة بعد أن كانت مقتصرة على طلاب الشريعة، والثانية هي جمع الأنظمة القضائية وشبه القضائية في مؤسسة واحدة، ما سيسفر عن تراجع جذري للمحاكم العامة واستقلاليتها.
وأشارت إلى أن القضاء السعودية لا يملك حاليا أي وسائل رسمية لمقاومة التحديات المؤسسية والسبب هو اعتماده كما ذكر سابقا على الروح الجماعية والأدوات غير الرسمية.
وختمت الورقة بأنه "جرى الترويج لحملة الاعتقالات التي أسفرت عن توقيف أمراء ورجال أعمال سعوديين بارزين في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد جولتَين من التوقيفات التي طالت باحثين وقضاة، على أنها مؤشّر عن أن كبار الشخصيات في أسرة آل سعود لم يعودوا خارج القانون، ربما كان ذلك صحيحاً، غير أن تلك التوقيفات لم تشكّل خطوةً نحو سيادة القانون بالمعنى الليبرالي للعبارة، بل كانت مؤشراً على أن القيادة العليا في السعودية تتعلّم كيفية استخدام الأدوات القانونية لتحقيق أهدافها في السياسات وتثبيت موقعها، والحقيقة هي أنها تستخدم القضاة، الذين يُطلَب منهم الآن التصرّف كموظفين في الخدمة المدنية، سلاحاً جديداً في ترسانتها".