ملفات وتقارير

لماذا تجاهل السيسي الأمن القومي المصري عند حفر تفريعة قناة السويس؟

أكدت دراسة للجيش المصري أن حفر التفريعة يشكل خطرا على الأمن القومي المصري
أكدت دراسة للجيش المصري أن حفر التفريعة يشكل خطرا على الأمن القومي المصري
أثار نشر اليوتيوبر المصري المعارض عبدالله الشريف، وثائق عسكرية مصرية مسربة تكشف تجاهل رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لخطورة مشروع حفر تفريعة قناة السويس (2014- 2015) على الأمن القومي المصري، وتضرر القوات المسلحة منه عسكريا وتكتيكيا وماليا، التساؤلات بشأن إصرار السيسي على تجاهل الأمن القومي، وتعريض البلاد والجيش والشعب لمخاطر وجودية.



وقناة السويس ممر مائي يربط البحرين الأحمر جنوبا والمتوسط شمالا، بطول 168 كم، وعرض من 160 إلى 200 متر، وعمق 11.60 متر، وتعد أقصر شريان مائي يربط بين الشرق والغرب، ويمر منها 70 بالمئة من حجم التجارة البحرية و12 بالمئة من التجارة الدولية.

 "ماذا تقول الوثائق؟"
تقول الوثائق التي حصل عليها الشريف، من داخل الجيش المصري، إن وزارة الدفاع المصرية وإثر إعلان السيسي حفر قناة السويس الجديدة في 5 آب/ أغسطس 2014، طلبت من الهيئة الهندسية التابعة لها بعد 8 أيام من إعلان السيسي، عمل دراسة عن تأثير حفر القناة الجديدة، على الأمن القومي المصري.

الدراسة التي جاءت بهدف الوصول لأنسب أسلوب لتأمين عبور القوات لقناة السويس وتنفيذ أعمال التجهيز الهندسي اللازم لوسائل العبور بعد حفر القناة الجديدة خلصت إلى أن المشروع القائم من (الكيلو 60 إلى الكيلو 95) يمثل خطرا جسيما على عبور القوات من الضفة الغربية للضفة الشرقية للقناة وقت الحرب، ويكلف الجيش المصري تغييرات كبيرة في تكتيكاته ووسائل عبور القناة، مع تكلفة ذلك المالية الكبيرة.

وقالت الدراسة إن حفر قناة السويس الجديدة يؤثر على قطاعين من قطاعات عبور الجيش الثاني الميداني للقناة وهما قطاعا عبور شمال وجنوب الإسماعيلية.

وأوضحت أنه بدراسة تأثير حفر القناة الجديدة على أعمال عبور القوات واتخاذ أوضاعها شرق القناة؛ من المنتظر أن تزيد أزمنة التأخير لعبور القوات لقطاعي (شمال/ جنوب) الإسماعيلية لعبور 2 مانع مائي (قناة السويس الحالية والجديدة).

وبينت أن "زمن التأخير حتى 21 دقيقة عند عبور القوات لقطاع شمال الإسماعيلية"، و"حتى 34 دقيقة عند عبور القوات لقطاع جنوب  الإسماعيلية".

وأكدت أنه "للتغلب على زمن التأخير يتطلب زيادة عدد كباري المواصلات بعدد كوبري لكل قطاع"، مشيرة إلى ضرورة عمل تعديلات على الكتائب العسكرية لتصبح ثقيلة، وإضافة كتائب مواصلات ثقيلة، وأنه للتغلب على زمن التأخير يتم تشكيل لواء كباري ومعديات برمائية تتمركز شرق القناة الجديدة.

وقدرت الدراسة المسربة، "إجمالي التكلفة المالية  لمطالب التجهيز الهندسي وتدبير معدات ومهمات العبور لتسليح لواء كباري تشكيل جديد بمبلغ 1646.09 مليون جنيه.

وقدرت الدراسة المسربة، "أعمال التخطيط للطرق العرضية والطولية لربط المعابر على القناة الموازية لقناة السويس بطول 100 كم اتجاهين وعرض 8 متر لكل اتجاه مع تنفيذ طبان، بتكلفة مالية تقديرية بمبلغ 800 مليون جنيه".

ورغم خطورة إنشاء التفريعة الجديدة وفق الدراسة، والتكلفة المالية الكبيرة، إلا أن السيسي، أعطى أوامره بتنفيذ المشروع، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار الخطير على الأمن المصري، وعلاقة ذلك بمافيا المقاولات وقطاع "البيزنس" داخل الجيش المصري.

ماذا قدمت التفريعة لمصر؟
ومرت 9 سنوات على افتتاح "القناة الجديدة" وفق قول النظام أو "التفريعة الجديدة" وفق وصف المعارضة، بطول 35 كيلومترا، والتي شهد 38 من الملوك والرؤساء والوفود العربية العالمية حفل افتتاحها الأسطوري في 6 آب/ أغسطس 2015.

المشروع الذي تكلف نحو 8.5 مليار دولار  وفق أرقام رسمية، حظي بدعاية كبيرة ووعود أطلقها رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، بتحقيق إيرادات 100 مليار دولار سنويا.

لكنه في العام التالي لافتتاح القناة الجديدة، تراجعت إيرادات القناة مسجلة نحو 5 مليارات دولار، انخفاضا من 5.17 مليار عام 2015، ومن نحو 5.46 مليار في 2014، ما دفع السيسي، حينها إلى القول في حزيران/ يونيو 2016، إن حفر القناة كان لرفع روح المصريين المعنوية.

أعوام 2017، و2018 و2019، و2020، و2021، و2022، لم تشهد إيرادات قناة السويس تحقيق الأرقام المعلنة من قبل مميش، والذي قام بتخفيض توقعاته لإيرادات القناة الإجمالية إلى 13 مليار دولار تتحقق عام 2023.

لكن القناة لم تحقق هذا المعدل، ففي حزيران/ يونيو 2023، أعلن رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، في آب/ أغسطس 2019- أن القناة حققت أعلى مستوى تاريخي بإيراداتها وبلغت 9.4 مليار دولار في العام المالي (2022-2023).

وفي تموز/ يوليو الماضي، اعترف ربيع، بأن إيرادات القناة تراجعت إلى 7.2 مليار دولار في العام المالي (2023-2024)، بل إن السيسي وفي 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، قال إن القناة فقدت 60 بالمئة من إيراداتها وخسرت 6 مليارات دولار في 8 أشهر.

وأكد موقع the times economic، في 5 يوليو/ تموز 2022، أن حفر التفريعة قناة السويس لم يمنع جنوح السفن في عرض القناة، مشيرا إلى جنوح سفينة الحاويات البنمية "إيفرغيفن" بالقطاع الجنوبي للقناة 23 آذار/ مارس 2021، وتعطيلها الملاحة الدولية 6 أيام، وتحقيق شركات الشحن العالمية خسائر مالية قدرتها شركة "أليانز" الألمانية للتأمين، بنحو 10 مليارات دولار أسبوعيا.

وشرعت هيئة قناة السويس في السنوات الأخيرة ببيع بعض أصولها، وبينها إعلان طرح 20 بالمئة من شركة القناة لرباط وأنوار السفن، والشركة البورسعيدية للأعمال الهندسية، بالبورصة منتصف 2023، وذلك بجنب الاستدانة لتنفيذ بعض مشروعاتها.

وفي 20 آب/ أغسطس الماضي، أعلنت هيئة قناة السويس، سعيها لاقتراض 19 مليار جنيه لأجل 13 عاما، من بنوك محلية لاستكمال مشروعات تطوير الموانئ، وفق موقع "الشرق".

ويؤكد خبراء ومراقبون أن حفر تلك التفريعة كان سببا في فقدان مصر رصيدها من احتياطي النقد الأجنبي، ما دفع البلاد لاحقا وبعد عام واحد وتحديدا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، للاستدانة من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وتخفيض قيمة عملتها من 8.88 جنيه دولار إلى 15.77 جنيه للدولار بتراجع 78 بالمئة.

"نظام بأكمله متورط"
وفي رؤيته لأسباب تجاهل السيسي الأمن القومي المصري وحفر تفريعة قناة السويس، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل إن "الأمن القومي مفهوم مبني على مجموعة من القيم الكلية الحاكمة؛ فمثلا إذا كانت إحدى تلك القيم أن العدو الصهيوني عدو وجودي، فإن ضوابط الأمن القومي تبنى طبقا لذلك".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "ولهذا تجد الدول التي لا يوجد لها تلك القيم الحاكمة تتخبط ولا تدرك ماذا تفعل".

وأكد أن "النظام المصري كله وليس فقط رأسه خلال السنوات العشر السابقة خصوصا؛ فقد بوصلته، ولا أعتقد أن هناك تصورا واضحا للقيم الكلية الحاكمة لمصر كدولة".

وتابع: "ولا أفهم ماذا يعني تقديم تقارير ما بخطورة فعل ما لرأس النظام، ويرفضها؛ إلا في حالة محاولة غسل السمعة".

وبين أن "النظام متورط بأكمله في بيع مصر، وفي جريمة التواطؤ مع الصهاينة في غزة، وفي كارثة سد النهضة، وفي تدويل خليج العقبة، وفي إفقار الشعب، وتدمير المجتمع، وفي تحطيم المجال العام في مصر".

وخلص عادل للقول إن "الأنظمة السياسية في غياب مشاركة الشعب، وغياب قيم حاكمة تصبح أشبه بالمليشيات والعصابات المنظمة؛ وهذه التكوينات تبحث عن مصالحها وما يثبت وجودها، وفي حالة النظام المصري ليس هناك أقوى من الصهاينة للقيام بذلك".

"الإدارة بالذراع"
وفي قراءته قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع: "في عالمنا العربي ومصر بعد الانقلاب، الإدارة بالذراع؛ وتعني أن ما أراه أنا فقط صواب، والسيسي صرح مرات قائلا: لو انتظرنا دراسات الجدوى كنا تأخرنا، فما يقوم برأسه ينفذه، وأنشأ عاصمة إدارية لا يسكنها إلا هو، كلفتنا مليارات وبقيت تبعات الديون".

وأضاف لـ"عربي21": "ما من مشروع نفذه بناء على دراسة جدوى، وأي دراسة جدوى تتكلم عن المشروع ووصفه، وكيف يتم تنفيذه، والجدوى منه، والدراسة المالية كم يتكلف؟ ومن أين يتم الإنفاق على المشروع؟ ونسب الدخل المتوقع".

وأشار إلى أنه "حفر تفريعة القناة، فهل العالم كان يحتاج لها أم إنه وقت الحفر كان هناك تراجع وتضخم وانهيار اقتصادي قلل حجم التجارة العالمية؟ وهل هناك دراسة واحدة تقول إنه مثلا خلال 50 أو 100 سنة سيزيد حجم التجارة العالمية؟ بل إنه عندما قرر الحفر أخذ الكاش من الدولار بالبنوك المصرية لشراء حفارات".

وأكد زوبع، أن "تركيبة رأسه أنه يوحى إليه، وأنه لذلك لا يُسأل عما يفعل، وهذا تصوره عن نفسه، وأول أمس يقول: (واكرباه)، ويشبه نفسه بنبي الإسلام.. إذن أنت أمام شخصية منفصلة عن الواقع، تعيش في أوهام وتدير الدولة بالذراع، ويرى نفسه فوق الناس، وهذا الكلام لا يعقل سياسيا واقتصاديا".

وتساءل السياسي المصري: "ما العبرة بعد أن استدنت كل هذه المليارات أن تبيع أصول البلاد، لسداد الديون وفوائدها وأقساطها، وليس لإقامة مشروعات أو بناء مصر التي يتم هدمها، والتي تترك أراضيها للإمارات بتوشكى لتزرع القمح ونستورده منها سنويا بـ100 مليون دولار، هذا يؤكد أننا بلد قراره السياسي والاقتصادي مختطف".

"من يرسم خريطة الأمن القومي؟"
وتحدث زوبع عن "رسم خارطة الأمن القومي"، مؤكدا أن "هناك مستشارا للأمن القومي المصري، ولا بد أن يكون هناك دور لخبراء وزارة الخارجية فيه، ولكن هل رأيت السيسي قابل وزير الخارجية أو مستشار الأمن القومي ليطلعوه على السياسات المقترحة، فقط هو يجمعهم ليلقي التعليمات دونما تشاور".

وخلص للقول إن "الأمن القومي منظومة تتشكل من المخابرات العامة، ومستشار  الأمن القومي، ومسؤولي الرئاسة، ووزارة الداخلية، وجهاز جمع المعلومات الذي هو هنا الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، بجانب مفكرين، وعسكريين قدامى، وعسكريين حاليين، فجميعهم يرسمون خريطة الأمن القومي المصري".

وأكد زوبع، أن "الأمن القومي في مصر  منظومة يتم هدمها؛ لأنه من البداية سمح بأن القرار السياسي المصري يُختطف من الإمارات مرة والسعودية مرة وإسرائيل مرة، وأصبحت لا تستطيع إدارة أمورك بالسودان وليبيا وإثيوبيا وغزة.. وحتى في الصراع مع الكيان الصهيوني تحولت من محايد أو وسيط إلى زبون ومؤيد رغما عنك لإسرائيل".
التعليقات (0)