طارق رمضان، مفكر مسلم، غربي، سويسري من أصل مصري، ولد وتربى بجنيف، وتلقى تعليمه الفرنسي هناك، بروفيسور في جامعة أكسفورد، له كتابات جادة في الدراسات الإسلامية، منها "الإصلاح الجذري"، و"هذه آرائي"، و"على خطى النبي"، وغيرهم.
طارق متهم بأنه حفيد البنّا، وبأنه متحرش.. تبدو الصياغة ملتبسة، إلا أن متابعة سياق القضية المثارة الآن أمام القضاء الفرنسي، المتهم فيها رمضان بالتحرش في واقعتين مر على أحدثهما أكثر من خمس سنوات، وتغطياتها الإعلامية، يكشف عن تربص حقيقي بالرجل وتعمد واضح لتصدير بطاقته الجينية بدلا من صفته الفكرية والمعرفية، والتي هي في التحليل الأخير، وربما الأول، تهمته الحقيقية.
تجربة الفرنسيين القلقة مع الدين جعلت من علمانيتهم نموذجا شديد التطرّف، يردد قيم الحرية والمساواة، لكنه يحتفظ لنفسه بحق معاداة كل آخر على الهوية والدين وربما العرق واللون.. رمضان يجمع بين هذا كله، وزد عليه أنه يبدد أوهام الصورة الذهنية، والفرنسية على الخصوص، فيما يتعلق بالمسلم، الأصولي بالضرورة، العنيف بالضرورة، المنحاز ضد الحضارة الغربية ومجتمعاتها بالضرورة.
طارق رمضان مفكر وأكاديمي، ونجم (خطان تحت نجم هذه). ربما يكون رمضان هو الوحيد الذي يجمع بين رصانة الأكاديمي والتزامه، وقدرة المفكر العضوي على التواصل مع الجماهير في لقاءات مفتوحة، ومناظرة أفكار دينية وسياسية ومخاوف هوياتية ونفسانية لدى كافة الأطراف. طارق ناظر الكثيرين حول قضايا الأقليات المسلمة في الغرب، والقضية الفلسطينية، انحياز الباحثين والمفكرين اليهود في كثير من الدوائر الغربية للكيان الصهيوني. لم يتخل عن صفة الباحث الأكاديمي، ورغم ذلك خرج منتصرا من هذه المناقشات، وقد جمع بين الاحترام في دوائره العلمية، والتقدير لدى الجاليات الإسلامية في العالم الأوروبي.
يدعو طارق المسلمين في أوروبا إلى أن يكونوا أوروبيين بالمعنى القومي، والهوياتي، ولا يرى في الاسلام دينا عربيا، وإن كانت العربية لغته، بل يرى أنه صار دينا غربيا، وفقا للأرقام وخرائط الانتشار، وينصح متابعيه من الشباب والفتيات في أوروبا أن يفتحوا فضاءاتهم لمحيطهم الثقافي والحضاري، وأن يساهموا في صناعة أوروبا الغد، وأن يكونوا شهداء على الناس، بالفعل والمشاركة والبناء، وليس بالتنظير وممارسة الاستعلاء الإيماني الفارغ!
ربما لهذه الأسباب يعتبره اليمين الأوروبي خصم الصورة الذهنية التي يروجونها عن المسلمين. فهو لا يمنحهم ما يريدون، ويشاركهم في ذلك المتعصبون، وهم الأغلبية بطبيعة الحال داخل العالم العربي والإسلامي، والذين يَرَوْن في طارق حداثيا مفرطا، ينحرف عن المنهج "الصحيح" لصالح القيم الغربية المستوردة!
يهاجم الإعلام الغربي طارق رمضان الآن بعنف، ويستبق حكم القضاء الفرنسي لتشويه سمعة الأفكار قبل صاحبها، وتكرار اتهاماته المجانية السابقة لرمضان بأنه مزيف وبأنه يدعي ما لا يُؤْمِن به حقا، فيما يسكت عن مساندته ظهيره العربي والإسلامي؛ الذي يرى في طارق حالة ينبغي الانتهاء منها استئناف مسيرة البداوة في "ديار الكفر" التي يوما ما ستؤول إلينا (في المشمش)..
إن المقارنة بين تعامل الإعلام ومواقع التواصل العربية مع رمضان في قضيته، التي تبدو في كل تفاصيلها ملفقة وكاذبة، إلى درجة عدم وجوده في مسرح الجريمة أصلا وامتلاكه تذكرة طيران تفيد بأنه كان - في الوقت الذي اتهمته فيه المدعية باغتصابها - في بلد آخر.. أقول إن المقارنة بين ردود الفعل الشعبية والرسمية في قضية طارق رمضان وبين نظيرتها في قضية واعظ شعبوي، مثل ذاكر نايك، يكشف مدى البؤس الذي آلت إليه الحالة العربية والإسلامية على المستويين الشعبي والرسمي.
إن مكانة طارق رمضان وقيمته ورمزيته لدى مسلمي أوروبا.. كل ذلك لم يكن ليمنعني من اتهامه إذا كان سياق التقاضي يسمح بإدانته، إلا أن ظروف وملابسات القضية، وتوقيتها، وبطلتها التي أخطأت في توثيق الأرقام والتواريخ غير مرة، مع ما يتمتع به رمضان من تقدير في أوساط الشباب الأوروبي المسلم يوازيه كراهية وتوجس في أوساط اليمين العنصري في أوروبا.. كل ذلك يجعل من التعاطف، والتشكك في مدى صحة الاتهام، حق لعقولنا علينا، قبل رمضان الذي تشهد له مشاركاته العلمية وجهوده في مجالات الإغاثة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ومسيرته الطويلة، بأنه لم يكن يوما هذا الرجل، وبالتأكيد لن يكونه بعد أن تجاوز الخمسين. كنت أتمنى أن يشاركني آخرون في هذه البقعة البائسة من الأرض "المسطحة"!!