بورتريه

تفكيك "الأونروا".. وأد "القضية" وإغلاق "مصنع اللاجئين"

الأونروا -
الأونروا -
ضحية الدعاية الإسرائيلية، وهوس الإنجيليين الصهاينة الجدد الذين يقبضون على مفاتيح البيت الأبيض في واشنطن.

في البداية كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس المحتلة، وبعده مباشرة، إطلاق وابل من الرصاص على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

وذات يوم وصف رئيس حزب "هناك مستقبل" الإسرائيلي يائير لبيد "الأونروا" بأنها "مصنع اللاجئين".

ورقة ابتزاز جديدة، وعملية "لي ذراع" للفلسطينيين لإخضاعهم لشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دفعت مدير عمليات "الأونروا" في غزة ماتياس شمالي للدعوة إلى "عدم تسييس المساعدات المقدمة للأونروا".

وبحسب شمالي فإن "وجود الأونروا كان يرتبط بقضية سياسية، لذا يجب عليكم إيجاد حل لهذه القضية السياسية قبل أن تتخلصوا من الأونروا". مضيفا: "ما نريده ليس فقط تمويلا وإنما حل شامل لقضية اللاجئين".

وتعمل الوكالة على إغاثة حوالي 3.8 ملايين لاجئ مسجلين لديها في خمس مناطق: الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، فيما تقول أرقام إن العدد بين 4 إلى 6 ملايين.

وبحسب "الأونروا" فإن اللاجئ الفلسطيني هو الذي "كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من أول حزيران / يونيو عام 1946 حتى 15 أيار/ مايو عام 1948 والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948. وعليه فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم تلقي المساعدات هم الذين ينطبق عليهم التعريف أعلاه إضافة إلى أبنائهم".

وتمول "الأونروا" بالكامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأكبر المانحين هي الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة والسويد ودول أخرى مثل دول الخليج العربية والدول الإسكندنافية واليابان وكندا.

تأسيس "الأونروا" في عام 1948 جاء بهدف تقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من طرف المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى. وتتولى تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل مباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية.

وفي عام 1949 وبموجب قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أسست "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" لتعمل كوكالة مخصصة ومؤقتة، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات لغاية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وبدأت "الأونروا " عملياتها رسميا وفعليا في عام 1950. 

ولا يوجد أي رابط بين وكالة "الأونروا" و"المفوضية السامية للاجئين" فمسؤوليات "الأونروا" تقتصر على توفير خدمات لمجموعة واحدة من اللاجئين وهم الفلسطينيون المقيمون في مناطق عملياتها، في حين أن "المفوضية السامية" مسؤولة عن اللاجئين في بقية أنحاء العالم. 

وتجد "الأونروا" نفسها أمام واقع صعب بعد إعلان الولايات المتحدة خفضها للمساعدات التي تقدمها ل"ـالأونروا" مما سيؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للملايين من اللاجئين.

وكانت الخارجية الأمريكية قد أعلنت أنه سيتم تجميد حوالي نصف المساعدات التي تقدمها واشنطن لـ"الأونروا"، حيث ستدفع "شريحة أولى" بقيمة 60 مليون دولار، من أصل 125 مليون دولار من المساهمات الطوعية للعام 2018، وهو القرار الذي جاء بعد الرفض العربي والفلسطيني والدولي لقرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بها "عاصمة لإسرائيل".

ترامب برر قرار تجميد المساعدات بأنه بسبب عدم إظهار الفلسطينيين "التقدير أو الاحترام" للولايات المتحدة، مؤكدا في تغريدة "أنهم لا يرغبون بالتفاوض مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق سلام". وقال: "الفلسطينيون لا يعترفون بالجميل الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لهم، كما أن السلطات الفلسطينية ترفض الجلوس على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين".

قرار ترامب المحبط والمتوقع منه زاد من التحديات أمام "الأونروا" التي أكدت على أن "الأونروا مصممة على مواصلة تقديم الدعم الحيوي للاجئي فلسطين".

وأكدت "الأونروا" على أن التمويل بشكل عام لا يجاري الحاجات المتزايدة للاجئين والإقبال على الخدمات، ما أدى إلى تآكل "مقلق" في نوعية الخدمات التي تقدمها للاجئين، وكانت الوكالة في عام 2015 على وشك إغلاق كافة مدارسها بسبب المشكلات المالية التي عانت منها.

وردا على القرار الأميركي أطلقت "الأونروا" حملة دولية نداء استغاثة لسد العجز المالي في ميزانيتها، من أجل جمع أكثر من 800 مليون دولار أميركي، لمواصلة أنشطتها.

وأكد مفوض عام "الأونروا" بيير كرينبول أن إطلاق هذه الحملة جاء "بسبب التقليص الدراماتيكي الذي قامت به الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن "الأونروا تعيش في أزمة غير مسبوقة، إلا أنها ستواصل مهامها بعد تجديد تفويضها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية دعم الدول".

وأوضح أن عمل "الأونروا" يلقى احتراما دوليا كبيرا، وسط حالة تضامن كبيرة مع اللاجئين في العالم، مشيرا إلى أن القرار الأميركي كان "مفاجئا وضارا في نفس الوقت."

ووجه كرينبول رسالة للاجئين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم قائلا: "نحن نقف إلى جانبكم اليوم كشهادة لقضيتكم التاريخية وإلى جانب حقوقكم أيضا". مشددا على أن مدارس وعيادات "الأونروا" ستبقى مفتوحة وستستمر في تقديم خدماتها رغم التحدي الكبير الذي تواجهه.

مشيرا إلى أنه يرى حالة "من خيبة الأمل والإحباط في مخيمات اللاجئين في غزة وسوريا وغيرها ما قد يخلق نوعا من التوتر"، مضيفا: "لكن نحن منظمة نعطي الأمل من رفح إلى حلب وسنواصل إعطاء هذا الأمل".

وانتقد كرانبول "البعد السياسي" وراء تجميد المساعدة الأميركية، محذرا من أن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار. وأضاف: "من المهم جدا ألا يدخل التمويل الإنساني في الحسابات السياسية".

وتسعى "إسرائيل" والولايات المتحدة لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر إنهاء دور "الأونروا"، باعتبارها الشاهد القانوني والسياسي على حق العودة، فهي المنظمة الدولية الوحيدة التي خصصت لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم، وهي تتيح بشكلٍ روتيني توارث وصف لاجئ عبر الأجيال، وهي لا تزيل من قوائمها أسماء اللاجئين الذين حصلوا على جنسيات من دول أخرى كما يحدث من قبل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وبحسب نتانياهو، فإن "الأونروا منظمة تديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتديم أيضا رواية ما يسمى بحق العودة الذي يهدف إلى تدمير دولة إسرائيل، ولذا يجب أن تزول الأونروا من الوجود".

وأضاف أن "الفلسطينيين وحدهم لديهم منظمة مخصصة لهم تتعامل مع أبناء أحفاد اللاجئين، وهم ليسوا لاجئين". ودعا إلى إنهاء هذا الوضع واصفا إياه بـ "السخيف". وقال: "لذلك، حان الوقت لتفكيك الأونروا ودمج أجزائها في المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة".

وأد القضيتين الشائكتين "اللاجئين والقدس" وتفكيكهما خطوة أولى لوأد ودفن "القضية الفلسطينية" ضمن صفقة القرن الأميركية / الإسرائيلية بتنسيق مع أطراف عربية.
التعليقات (0)

خبر عاجل