نجحت
سوريا، بسلاح روسي ودعم إيراني، في إسقاط "إف 16" إسرائيلية ضمن معركة
محدودة؛ عكست أحد تجليات صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن وأدواته، وهي إيران وسوريا
وإسرائيل.
فقد
خسرت إسرائيل إحدى طائراتها المقاتلة التي أسقطت بصاروخ روسي من منظومة "أس 200"، وهو الأمر الذي شكل صفعة لإسرائيل؛ اضطرت على إثرها لشن هجمات على
مواقع للنظام السوري وإلحاق خسائر فادحة فيها، متوعدة بالمزيد من الهجمات وتلقين
النظام السوري درسا لن ينساه، حسب إسرائيل.
فشل روسي في سوتشي
ويأتي هذا التطور بعد
الفشل السياسي الذي منيت به روسيا في سوتشي لصالح الدور الأمريكي، وانسحاب
المعارضة السورية المدعومة أمريكيا من المباحثات احتجاجا على استمرار التصعيد
الروسي والسوري ضد إدلب وريف دمشق، الأمر الذي أوقع المئات بين قتلى وجرحى، فضلا
عن استمرار روسيا في دعم نظام الأسد ورفض استبعاده من الحل السياسي. وأدى ذلك إلى
إضعاف روسيا التي تدعم هذا النظام، والتي تفردت ردحا من الزمن في سوريا.
يأتي هذا التطور بعد الفشل السياسي الذي منيت به روسيا في سوتشي لصالح الدور الأمريكي، وانسحاب المعارضة السورية المدعومة أمريكيا من المباحثات
صحيح أن روسيا لم يتراجع
دورها في سوريا، ولكنها فشلت بقوتها الغاشمة حتى الآن في إخضاع المعارضة، رغم أن
هذه الأخيرة باتت مشتتة، وخسرت الكثير من مواقعها في سوريا ولم تتمكن من بلورة خطة
سياسية تتقدم بها للحل السياسي أو للحسم مع النظام، كما لم تتمكن من استمرار بقاء
الأسد في الحل الانتقالي.
وفي مقابل ذلك،
أوجدت
إيران مواطئ قدم لها على الحدود مع إسرائيل وفي الجولان، أي أن طهران المتحالفة
سياسيا مع موسكو؛ حققت تقدما في صراعها مع تل أبيب بالتواجد على حدود الكيان، وإن
كانت حافظت على الهدوء معه.
ومع هذا التطور، استمرت
تل أبيب في رفض هذا الوجود دون أن تتمكن من منعه، إلا أنها نجحت في وضع حد له من
خلال الضغط على روسيا بالتعاون مع الولايات المتحدة للحفاظ على توازن القوى في
المنطقة، في ظل انشغال النظام الروسي في ترتيب أوراقه، وحرصه على عدم الرد على أي
تصعيد أو قصف إسرائيلي.
كشفت الضربة الإسرائيلية ورد الفعل السوري عليها؛ صراعا مركبا يحاول فيه كل من النظام السوري وحلفائه (من إيران وحزب الله) فرض معادلة رعب في جنوب سوريا مع تل أبيب
واستخدمت تل أبيب قوتها
العسكرية لضرب أسلحة وقواعد تعتقد أنها تخدم طهران وحزب الله؛ مستبيحة الأراضي
السورية لهذا الغرض، دونما أي رد من قبل النظام السوري أو إيران وحزب الله اللذين
لا يجاهران بوجودهما في المنطقة إلا حين الإعلان عن الاشتباك مع المعارضة السورية
المسلحة.
صراع مركب
هكذا كشفت الضربة الإسرائيلية
ورد الفعل السوري عليها؛ صراعا مركبا يحاول فيه كل من النظام السوري وحلفائه (من
إيران وحزب الله) فرض معادلة رعب في جنوب سوريا مع تل أبيب؛ تشكل نوعا من الحماية
لحزب الله في أي صراع قادم، ولإيران ضد التصعيد الأمريكي ضدها.
ومن دون شك،
تستفيد روسيا
من هذه المعادلة لتعزيز نفوذها في المنطقة، مع ضبط الموقف الإيراني ومنعه من
التصعيد مع الكيان من خلال حليفه
حزب الله.
كل ذلك، يأتي ضمن سعي الأطراف إلى تجنب التصعيد. ولذلك فبعد الرد الإسرائيلي على إسقاط طائرتها لم تلجأ للتصعيد الشامل، واكتفت بالتهديد والوعيد، كما حرصت على الاتصال مع الروس لمنع المزيد من التصعيد
وهذا الوجود يفرض نفسه في
مواجهة أمريكا، ضمن معادلة تتوازن فيها قوتا موسكو وواشنطن، بل حتى تميل لصالح
روسيا، حيث تمتلك إيران وحزب الله مواقع قوية في سوريا. وتحاول إسرائيل إعادة
تشكيل هذا التوازن الذي اختل عن السابق في ظل الوجود الجديد لكل من إيران وحزب
الله اللذين كانا بعيدين في السابق عن هذه المنطقة، ويمتنع النظام السوري عن أي
تصعيد مع إسرائيل.
إلا أن كل ذلك، يأتي ضمن
سعي الأطراف إلى تجنب التصعيد. ولذلك فبعد الرد الإسرائيلي على إسقاط طائرتها لم
تلجأ للتصعيد الشامل، واكتفت بالتهديد والوعيد، كما حرصت على الاتصال مع الروس
لمنع المزيد من التصعيد. كما أن إيران التي ليست على وفاق كامل مع روسيا، لم تلجأ
للتصعيد مخافة أن تفقد الغطاء الروسي الذي يؤمن لها استمرار الوجود والهيمنة في
المنطقة.
وبالنسبة
لحزب الله المنغمس في الحرب داخل سوريا، فإنه لا يرغب في أن تصل الأمور لحد الحرب
التي ستضعف دوره ووجوده في لبنان وتضر بدوره في سوريا.
كما
أن إسرائيل لا ترغب هي الأخرى أن تتدحرج الأمر إلى حرب مع حزب الله وإيران؛ لأن
جبهتها الداخلية لا تحتمل ذلك.
خلفية التصعيد وصفقة القرن
وفي إطار انغماسها
بترتيبات صفقة القرن، فإن واشنطن لا تريد للساحة السورية أن تشتعل، خصوصا وأن
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، يسعى لضمان دعم دول مثل السعودية ومصر والأردن؛ للتحرك
الأمريكي دون عقبات لا في فلسطين ولا في سوريا.
في إطار انغماسها بترتيبات صفقة القرن، فإن واشنطن لا تريد للساحة السورية أن تشتعل
وإن كان ترمب يريد إضعاف
إيران، فإنه يركز على منعها من امتلاك السلاح النووي، وعدم تمكنها من خلط الأمور
في المنطقة، سواء في فلسطين أو لبنان وسوريا.
وفي هذا الإطار، يستعين
الرئيس الأمريكي بروسيا في ضمان الهدوء ولجم إيران ومنعها من خلط الأمور في سوريا،
وإن تطلب ذلك التغاضي عن تمددها في سوريا على حساب المعارضة.
وهكذا، فإن نجاح التحرك
الأمريكي مرتهن في أحد جوانبه لقدرته على ضبط الأمور في
سوريا وضمان الحضور الفاعل هناك، خصوصا بعد ضعف الموقف الروسي في ظل فشل مفاوضات
سوتشي، والذهاب لمفاوضات جنيف بموقف قوي.
كما أن الحفاظ على الهدوء مطلوب للسير السلس لصفقة
القرن، وتكريس الدور الإسرائيلي في المنطقة، ونجاح أدوار كل من السعودية ومصر في
المنطقة والمؤيدة للصفقة على حساب تركيا والدول المعارضة لها، بما فيها الأردن
والسلطة الفلسطينية.