نشرت صحيفة "
لوبوان" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عما كشفته التحقيقات عن الاتصالات المنتظمة بين شركة "
لافارج"، التي تعد من أكبر الشركات المتخصصة في صناعة مواد البناء، المتهمة بالتعامل مع
تنظيم الدولة وجماعات مسلحة أخرى في
سوريا، وأجهزة
المخابرات الفرنسية وعلى رأسها المديرية العامة للأمن الخارجي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مراسلا فرنسيا كان متواجدا في مدينة الرقة، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017، قد التقطت عدسات كاميراته بقايا شاحنة مدمرة تحمل شعار شركة لافارج. وقد أثارت هذه الصور "قضية لافارج"، حيث اتهمت هذه الشركة العالمية بالتواطؤ مع تنظيم الدولة في سوريا.
وذكرت الصحيفة أن التحقيقات استندت على رسائل البريد الإلكتروني التابعة لإدارة الشركة الفرنسية، وعلى شهادات موظفيها السابقين. وقد أثبت التحقيق، الذي أجرته صحيفة "لوموند"؛ أنه خلال بتاريخ 11 أيلول/ سبتمبر سنة 2014، قدم مدير مالية التنظيم في "ولاية حلب" جواز مرور يسمح لشاحنات الشركة الفرنسية بالتنقل بسلام دون إيقافها في الحواجز التي يديرها مقاتلو التنظيم. كما تبين أن شركة لافارج تشتري النفط الذي يبيعه تنظيم الدولة.
وفي المجمل، دفعت شركة لافارج الفرنسية، بين شهرين يوليو/ تموز من سنة 2012 وأيلول/سبتمبر من سنة 2014، قرابة 5.6 مليون دولار لعدة فصائل مسلحة في سوريا عبر الوسيط السوري فراس طلاس. وقد بلغ نصيب تنظيم الدولة من هذه الأموال نحو 500 ألف دولار.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصحفي الفرنسي ماتيو فورو، لم يتوان عن كشف ما وثقه خلال تواجده في سوريا. وفي هذا الإطار، ذكر هذا الصحفي أنه بين سنتي 2013 و2014، كان الإسمنت المصنع في شركة لافارج، المتمركزة في مدينة الجلابية شمال سوريا، يغذي المدن التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة. وخلال تلك الفترة، التقى الصحفي الفرنسي بشخص يدعى "أبو إسكندر"، الذي كان يدير آنذاك أكبر شركة نقل تتعامل مع شركة لافارج لنقل الإسمنت عبر مختلف المناطق السورية.
وفي هذا السياق، أفاد أبو اسكندر بأن شاحناته تنقل الإسمنت بين المدن الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، من بينها الرقة ودير الزور. وخلال تلك الفترة، ازداد طلب التنظيم على مواد البناء لتعزيز مدنه بالإسمنت المسلح بعد أن تعرضت إلى قصف طيران التحالف، ولبناء مخابئ مضادة للطائرات وترميم الأنفاق.
وأكدت الصحيفة أن ماتيو فورو، خلال تلك الفترة، قد اتصل هاتفيا بالمسؤول التجاري لشركة لافارج، الذي أكد "ليست مشكلتنا إذا كان تنظيم الدولة يستطيع الحصول على منتجات الإسمنت الذي نصنعه، فالأمر الضروري بالنسبة لنا يتمثل في مواصلة عملية بيع منتجاتنا لتجار البيع بالجملة".
خلال الاستجواب، اعترف كريستيان إيرو، الذي كان يشغل منصب نائب المدير التنفيذي لشركة لافارج، بأن وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية كانت على علم بأنشطة الشركة. كما أكد أن الوزارة شجعت شركة لافارج على المكوث في سوريا.
وأوردت الصحيفة أن مدير أمن شركة لافارج، جون كلود فايار، كشف للصحفي ماتيو فورو عن قرابة 12 لقاء جمع بين مسؤول من شركة لافارج وضابط في جهاز المديرية العامة للأمن الخارجي بين سنتي 2011 و2014. كما جاء في أحد المذكرات أن ضابطا من جهاز المديرية العامة للأمن الخارجي طلب من جون كلود فايار معلومات عن شخصيات سورية من عالم الأعمال.
ونقلت الصحيفة عن ماتيو فورو أن "تبادل المعلومات بين شركة لافارج الفرنسية والمديرية العامة للأمن الخارجي يعد أمرا تقليديا بالنسبة للمسؤولين عن الشؤون الأمنية في الشركة. ولكن تبادل المعلومات بين الطرفين تواصل رغم اكتشاف وجود اتصالات غير مباشرة بين شركة لافارج وتنظيم الدولة. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه كانت للدولة الفرنسية مصلحة إستراتيجية من مثل هذه العلاقة".
وأكدت الصحيفة أن الدور الذي لعبه بعض موظفي الشركة، الذين كانوا على اتصال بجون كلود فايار، يثير العديد من التساؤلات. ومن أبرز المتورطين، جاكوب ويرنيس، وهو عضو سابق في القوات الخاصة النرويجية ومسؤول الأمن في مصنع لافارج الفرنسي في سوريا، الذي يتقن اللغة العربية.
وخلال شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2013، كان النرويجي يشرف على تنظيم لقاءات على عين المكان مع أطراف النزاع في سوريا، على غرار الوحدات الكردية، وكتائب الثوار العربية السنية، ثم تقديم هذه المعلومات إلى جون كلود فايار.
وفي الختام، تساءل الصحفي الفرنسي ماتيو فورو "أستغرب كيف يمكن للمديرية العامة للأمن الخارجي أن لا تكون على علم بأنشطة شركة لافارج في سوريا، في الوقت الذي حافظ هذا الجهاز الاستخباراتي على اتصالاته مع الشركة الفرنسية؟".