هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار حضور المرشحين المستقلين في الانتخابات البلدية في تونس، لا سيما بعد تصدر بعضهم القوائم الانتخابية الفائزة، في دوائر بلدية عدة من محافظات البلاد، تساؤلات عن دور الأحزاب ومكانتها، فعلى الرغم من التنافس بينها في الانتخابات الحالية، إلا أنه كان متوقعا أن يكون لها عدد أكبر من مقاعد البلدية.
ونجح العديد من المستقلين في استمالة الناخبين الذين شهد عددهم تراجعا ملحوظا مقارنة بالانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة لتبلغ نسبة الإقبال على التصويت 33.7 في المئة.
ويثير الأمر تساؤلات عن مكانة الأحزاب لدى الناخبين أمام المستقلين الأفراد، إن كانت فقدت، أم أن هناك أسبابا أخرى وراء ذلك؟
وبحسب النتائج التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فقد حصد المستقلون 32.9 في المئة من المقاعد بترشحهم كأفراد وليس ككتل متجانسة.
أما على صعيد التنافس الحزبي، فقد حصلت حركة النهضة على 28.68 في المئة من الأصوات، فيما حصل حزب نداء تونس على 22.17 في المئة من المقاعد، ووسط حالة الانتخابات الساخنة، كان يتوقع العديدون أن يكون حضور الأحزاب أكبر في مقاعد البلدية.
من جهته، اعتبر المرشح الفائز في دائرة بلدية أريانة، فاضل موسى، في حديثه لـ"عربي21" أن "تقدم قائمته المستقلة الأفضل على قوائم الأحزاب وأبرزها النهضة ونداء تونس، وحصوله على المرتبة الأولى كمرشح مستقل "رسالة التونسيين إلى الأحزاب السياسية".
وأريانة، تعد مركز ثقل شعبي لأحزاب تونسية كبرى، إذ فازت قائمة موسى بنسبة 38.1 في المائة من الأصوات، بمعدل 15 مقعدا، مقابل 6 مقاعد للنهضة، و6 لنداء تونس، فقط.
وأرجع موسى السبب في ذلك إلى أن "الأحزاب السياسية الكبرى فشلت طوال السبع سنوات في تحقيق الوعود الانتخابية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".
اقرأ أيضا: هكذا تؤثر نتائج "بلديات تونس" على التحالفات بانتخابات 2019
وشدد على أن "تفشي الفساد والمحسوبية والبراغماتية السياسية، في أغلب الأحزاب، جعل الناخب التونسي يبحث عن مرشحين مستقلين معروفين بنظافة يدهم وكفاءتهم"، وفق قوله.
وختم بالقول: "ركزنا في قائمتنا المستقلة على أهمية تطبيق القانون على مستوى الحكم المحلي والحد من الفوضى والمحاصصة".
وذهبت بعض الأحزاب في قراءتها للمشهد، إلى أن سبب تصدر مستقلين على حساب مرشحي الأحزاب، أن أغلب المترشحين عن القوائم المستقلة هم في الواقع يتبعون لأحزاب.
فمن جهته، صرح القيادي عن نداء تونس، صابر العبيدي، لصحف محلية، أن حزبه فاز على حركة النهضة باحتساب القوائم المستقلة التي اعتبرها منضوية تحت حزب نداء تونس، لكن لم يسعفها الحظ للترشح في قوائمها الحزبية بسبب الشروط الخاصة بقاعدة التناصف الأفقي والعمودي، ما دفعهم للترشح كمستقلين، بحسب قوله.
التهويل بالخطاب السياسي
من جانبه، رأى المؤرخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، في حديثه لـ"عربي21"، أن الظروف التي أجريت فيها الانتخابات البلدية، بعد موجة استقالات سابقة، وتأجيل، ومشاكل داخلية في هيئة الانتخابات، وأخرى بين الكتل النيابية في قبة البرلمان، يجعل من وقوع الانتخابات بعد مخاض عسير أمرا إيجابيا، ويستحق الإشادة.
لكنه مقابل ذلك، أقر بمواجهة الأحزاب التونسية لأزمات كبرى بنيوية متفاوتة، في مقدمتها التهويل في الخطاب الانتخابي، ما أبعدهم عن قواعدهم، وأفقدهم الحزام الشعبي الداعم لهم، سواء خلال انتخابات المجلس التأسيسي أو الانتخابات التشريعية والرئاسية الماضية.
انعدام الثقة
وتابع بأن "السلوك السياسي لقياديي الأحزاب لا سيما الكبرى منهان وانشغالهم بمعالجة مشاكلهم الداخلية من انشقاقات وخلافات حادة أبعدتهم فعليا عن مطالب قواعدهم الحقيقية من تنمية وتشغيل وإيجاد حلول لغلاء المعيشة وبطالة الشباب، صعدت حالة انعدام الثقة بالطبقة السياسية بشكل عام، والحزبية بشكل خاص".
واستبعد الحناشي أن تكون لنتيجة الانتخابات البلدية تداعيات على المواعيد الانتخابية المقبلة، التشريعية والرئاسية، داعيا الأحزاب إلى القيام بمراجعة شاملة تشمل طبيعة خطابها وسلوكها السياسي، وأن تقترب أكثر من مشاغل المواطن التونسي البسيط.
يشار إلى أن حزب النهضة حصل على المراتب الأولى في أغلب الدوائر البلدية، وفي مقدمتها بلدية العاصمة.
وعلى الرغم من تصدرها أول انتخابات بلدية في تونس، لم تخف الحركة "مرارتها وصدمتها " من نسبة المشاركة خلال الانتخابات البلدية، حيث صرح القيادي في الحركة محمد بن سالم عبر راديو "جوهرة" الخاص، أنه غير سعيد ومصدوم بما أفرزته نتائج الصندوق، معللا ذلك بالنسبة الضعيفة للناخبين.
وأضاف: "مقارنة بالنتائج التي حققتها حركة النهضة في 2014، يمكن القول إن انتصارنا خلال الانتخابات البلدية تشوبه مرارة".