لم تتردد
حماس قبل سبع سنوات في الانحياز إلى ثورة الشعب السوري، ونأت بنفسها عن
إيران والنظام السوري. كان التعويل حينها على متغيرات جيوسياسية في المنطقة، خصوصا من الجهة الغربية لقطاع
غزة (مصر)، حيث كانت الثورة هناك تفتح الآفاق وتبشر بمقاربة جديدة وتعاط جديد ومتميز مع القضية الفلسطينية..
مياه كثيرة جرت من تحت جسور المنطقة في السنوات الأخيرة، وتحول المشهد إلى أبشع مما يمكن أن يتخيله المتشائمون، وما عولت عليه حماس من متغيرات في المنطقة استحال إلى لا شيء تقريبا، وباتت الحركة ومعها مليون ونصف مواطن في القطاع أمام المعادلة التالية:
1- إما أن تحارب إسرائيل وتهزمها، وهذا غير ممكن بالطبع، في الوقت الحالي على الأقل..
2- أو أن تمد يدها لإسرائيل وتطبع معها وتنهي مشروعها الوطني، وهذا انتحار وغير مطروح أبدا من قبل حماس..
3- الخيار الثالث هو أن تركن لمن باعها ويبيعها دائما ويتهمها بالإرهاب، وتراه يتحرك وفق الضوابط الأمريكية والمحاذير الصهيونية، ذاك الذي يوصف في الشارع بـ"الخائن والعميل" (الحاكم العربي)، وهو غير مأمون الجانب أبدا..
4- أما الخيار الرابع والأخير فهو أن تمد يدها لمن أجرم ضد إخوانها وحارب أحلامهم، وفِي أكثر من مكان، ولكن لديه قوة وجرأة، ومستعد لدعمها بالسلاح والمال ضد عدوها. ونتحدث هنا عن إيران..
مع من يمكنها التعاون، ولمن تمد يدها للبقاء...؟
هذا موقف حماس الصعب، باختصار شديد..
ولمن يعيب على حماس أخلاقيا، باعتبار أنها تمد يدها لمن يقتل السوريين ويتآمر في اليمن، وكال الانتقادات والشتائم لتصريحات السنوار الأخيرة لقناة الميادين، عليه أولا أن يجد إجابة ومخرجا من هذا الموقف الصعب الذي تجد حماس نفسها فيه.. وكيف يمكنها الموازنة...!!
فهل يريدها هؤلاء أن تنتهي كما انتهى ثوار سوريا؟! تخلى عنهم داعموهم الخليجيون في منتصف الطريق...!
أم يريدونها أن تنتهي كثوار مصر الذين أطاح بهم الخليجيون وباركوا قتلهم واعتقالهم وتشريدهم؟!!
أم يريدونها أن تنتهي كحال ثوار ليبيا الذين تآمر عليهم "الشقيق الخليجي"، وتركهم في مواجهة مجرمي وعصابات حفتر...؟!
الوضع بالنسبة لحماس صعب، وصعب للغاية، ويستحيل عليها أن توفق دائما بين الجانب الأخلاقي والحفاظ على وجودها..
وهذا باعتقادي خيار حماس "المر"، وهو ليس دعما لإيران وحزب الله في عدوانهما الهمجي في سوريا واليمن وغيرهما، ولكنها الضرورة التي تبيح المحظور، كمن يباح له شرب الخمر إذا غص بطعام وخشي على نفسه الهلاك ولم يجد إلا الخمر، فإنه يشرب منها بقدر سد ضرورته ولا يزيد..
وهذه الضرورة القصوى التي تواجهها حماس وباقي فصائل المقاومة المحاصرين في غزة...
فهل تشرب حماس "الخمرة" بقدر ما ينقذها من الموت، أم ترفض فتنتهي وتستسلم هناك في القطاع، بسبب حصار المحتل و"الأشقاء" العرب...؟!