في محاولةٍ لفهم ما يدور في
مصر المحروسة، وبمناسبة تكرار وقوع
الحوادث المأساوية ذات الطابع المروّع والمفزع، بل والغامض، إلي حدٍّ بعيد، سوف نعيد التساؤل عن مدلولات التوقيت، ومؤشرات هذا التكرار المتزامن، والسياق العام لسير هذه الأمور.
بطبيعة الحال، فلا جديد بشأن حوادث المرور وكوارث القطارات. فمصر وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، من ضمن أسوأ 10 دول في مؤشرات الموت في حوادث الطرق، التي قدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بما يعادل 30 مليار سنويا، ككلفة وخسائر لتلك الحوادث، وهي متزايدة بصفةٍ سنوية وبنسب كبيرة، التي تتحدث عن أن هناك قتيلا كل نصف ساعة تقريبا، لتبلغ نسبة اشغالات أسرة المستشفيات 15 في المئة من المصابين في الحوادث.
كل هذا سرد لحقائق ترجع لأسباب مزمنة ومتراكمة، بداية من انتشار الفساد في قطاع الطرق والمواصلات، وحتى فشل السياسات الحكومية، وغياب إرادة سياسية حقيقية؛ لبناء بنية تحتية للدولة عبر أكثر من 60 عاما، وبما يحفظ حياة الناس وأمنهم على الطرقات، ويعزز البيئة المواتية والجاذبة للاستثمارات ورؤوس الأموال والمشروعات الصناعية الحقيقية، لا المشروعات الترويجية الاستهلاكية محدودة الفائدة أو محسوبة الفائدة لصالح مافيا رجال الأعمال والطبقة الانتهازية والمخادعة للشارع المصري.
لذلك، (وإن سلمنا جدلا بواقعية حدوث حوادث الطرق تلك في إطار المنظومة)، نجد أنفسنا أمام حوادث أخرى، وفي السياق الزمني ذاته، وتتسم بالمأساوية المروعة، كحادث العثور على جثث أطفال المريوطية، وكذلك حوادث غريبة كانفجار مصنع للكيماويات قرب المطار، ومصنع أدوية البدرشين، وغيرها من حوادث غامضة وصادمة.
إن تكرار هذه الحوادث، وبهذه الكيفية، دفعني للتوقّف والتفكير بعمق؛ لمحاولة فهم مدلولات هذه الحوادث، الذي يفتح أبواب السؤال حول: هل ثمة صراع أجهزة خلف الأبواب؟ وهل هناك أياد خفية، حتى تبدو هذه الحوادث المؤسفة والمروّعة في تناقضها الواضح، وكأنها تقع وفقا لمخططات خفيّة، وأن المتورطين في تدبيرها هم ممثلون لقوى الصراع الخفي داخل الدولة العميقة؟!
ألا يلاحظ كل ذي عين تلك الغرابة في أن هذه الحوادث تحدث في وقت تستمر فيه حملات الترويج للاستثمار في مصر؟! كما تُكثَّف فيه الحملات الإعلامية المحلية والعالمية، تحت شعار استثمر في مصر، التي جاب روادها العالم من أجل جلب الاستثمارات الأجنبية لمصر، وتشجيع رجال الأعمال في الخارج، ومازال حاضرا كهاشتاج على شاشات كل القنوات الإعلامية الحكومية والخاصة في مصر، بل وبعدها يقر البرلمان بسرعة فائقة قانون بيع الجنسية مقابل وديعة بسبعة ملايين جنية، وكل تلك الإجراءات لجلب رؤوس الأموال.
المثير كذلك، هو هذا التخبط الذي ظهر في ما أدلى به المتحدث العسكري وبين ما صرحت به الجهات الأخرى.. هل هذا محض تخبط وعدم تنسيق في التحقيقات والإجراءات الإدارية المتبعة في التعامل مع الأزمات والكوارث؟ أم إن هناك ما هو أبعد؟
ما أراه أنه قد يُفهم من السياق العام والإقليمي للمنطقة، الذي هو وثيق الصلة بالداخل المصري. يبدو أن تكرار هذه الحوادث مُصمَّمٌ لأغراض ذات طابع سياسي خطير؛ لتشتيت انتباه المجتمع المصري عمّا يدور في المنطقة. فبطبيعة الحال، فإن خلق مساحات للجدل والنقاش وبرامج التوك شو المسائي، وملء ساحات مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بحوادث متلاحقة وصادمة؛ مردودها مؤثّر ووقعها شديد على حياة الناس. إذن، هو عمل غير بريء، ولعله في صلب محاولات صرف الأنظار عن تورط مصر في سياسات إقليمية خطيرة، لعل في مقدمها اليوم، ما يُعرف بصفقة القرن، وهي خطة أمريكية/ إسرائيلية/ خليجية؛ لاقتطاع مساحات شاسعة من سيناء وإلحاقها بغزة؛ لإنشاء "وطن فلسطيني بديل"، وبذلك تكون هذه الحوادث المروعة محاولة لإدارة زمام الأمور، وأخذ الشارع لقصص جانبية بعيدة عن جوهر القضية.