هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في لقاء خاص جمع قيادي عراقي (من حزب سياسي شارك في السلطة منذ سقوط صدام حسين والاحتلال الاميركي للعراق حتى اليوم) بعدد من الكوادر الاسلامية في بيروت ، اعترف هذا القيادي بفشل التجربة السياسية العراقية والتي اقيمت في ظل الاحتلال الاميركي والتي ارتكزت على تقسيم العراقيين على اسس طائفية ومذهبية وعرقية (سنة وشعية وعرب واكراد واشوريين وكلدان ومسيحيين).
واعتبر القيادي: ان المشكلة الاساسية والمركزية التي يواجهها العراق اليوم ، اضافة الى الفساد المستشري بين الطبقة السياسية، وجود نظام طائفي وعرقي وغياب الديمقراطية الحقيقية القائمة على اساس المحاسبة والشفافية وتوزع السلطات بين المؤسسات المختلفة بدون اسس واضحة ومحسومة.
ومع ان القيادي العراقي يحمل كل القوى السياسية والحزبية مسؤولية ما وصل اليه العراق من تدهور في كل المجالات والقطاعات الخدماتية من كهرباء وماء وتراجع في مستوى التعليم والصحة والهاتف، فانه يعتبر ايضا: ان كل الدول المحيطة بالعراق لم تكن ترغب بقيام دولة عراقية قوية وفاعلة خوفا من ان يلعب العراق دورا مؤثرا في الواقع العربي والاسلامي.
ويشير القيادي الى: ان العراق تحول الى ساحة لمواجهات اقليمية ودولية سواء بين الاميركيين والايرانيين او السعوديين والايرانيين او بين الاتراك والقوى الاخرى، اضافة لمحاولة العديد من الاطراف الخارجية ان يكون لها دور مؤثرا في المشهد الداخلي بالتعاون مع جهات عراقية، وتحول العراق الى ساحة خصبة ومهيئة لاجتذاب التنظيمات المتطرفة ان لاسباب سياسية او طائفية او مذهبية او اجتماعية واقتصادية او بناء لمخططات خارجية.
لكن رغم كل هذا المشهد السلبي الذي يشير اليه القيادي العراقي فانه يعتبر: ان الانتصار العسكري والامني على تنظيم داعش شكّل تطورا مهما في المشهد العراقي الداخلي واكد امكانية وقدرة العراقيين لاستعادة زمام المبادرة ، مع انه يعترف بان هذا الانتصار لم يكن ليتحقق لولا تلقي العراق لمساعدات خارجية ومع التأكيد على اهمية دور المرجعية الدينية في الدعوة للجهاد واصدار الفتوى لمواجهة خطر تنظيم داعش.
ومن اجل مواجهة كل المخاطر والتحديات التي يواجهها العراق اليوم وفي ظل ازدياد الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة والقوى السياسية بسبب تراجع الخدمات وانتشار البطالة والفقر يدعو القيادي العراقي : الى الحاجة لاجراء مراجعة شاملة لكل التجربة السياسية والحزبية العراقية بعد سقوط صدام حسين والاحتلال الاميركي للعراق، خصوصا ان العراق اليوم يعاني من فراغ دستوري بسبب انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي وعدم حسم ملف الانتخابات النيابية التي جرت والفشل في تشكيل حكومة جديدة.
ويوضح القيادي: ان المشكلة في العراق لم تعد تقتصر على المنظومة السياسية والحزبية بل هي تشمل ايضا كل المنظومة الاجتماعية والتربوية وصولا لبعض الاشكالات الناتجة عن انتشار ثقافة دينية غير سليمة تتعارض مع منظومة الدولة وسلطة القانون وتساهم في التغطية على الفساد والرشاوى والتهرب من المسؤولية امام الناس او امام الجهات القضائية.
ومن هنا يدعو القيادي الى الحاجة الى مشروع سياسي وفكري جديد يتبنى قيام دولة المواطنة والقانون بعيدا عن الانقسامات المذهبية والطائفية والعرقية رغم الصعوبات الكبيرة في قيام مثل هذا المشروع اليوم.
وما يقوله القيادي العراقي يشبه الى حد ما ما يقوله السياسيون اللبنانيون مع اختلاف الظروف والمعطيات بين البلدين ، لكن بالنتيجة يعاني لبنان ايضا من فشل تجربة الدولة الطائفية والمذهبية وانتشار الفساد، واستغلال الانتماءات الطائفية والمذهبية لتحقيق مآرب شخصية وحزبية.
واما في المشهد التونسي فحسب قيادي تونسي زار بيروت مؤخرا فان هذا البلد رغم الانجازات السياسية والدستورية التي حققها في السنوات الاخيرة فانه يواجه اليوم ازمة كبيرة بسبب بعض الخلل في النظام السياسي والصراعات القائمة بين مختلف القوى، اضافة للتحديات الاجتماعية والامنية والاقتصادية والضغوط الخارجية.
وبالاجمال يمكن القول ان ما تسمعه من العراقيين او اللبنانيين او التونسيين او ابناء العديد من الدول العربية والاسلامية يشبه بعضه بعضا على صعيد غياب دولة المواطنة والقانون والفشل في تأمين حاجات الناس وتحقيق التنمية والتطور العلمي والاقتصادي، والجواب الوحيد عند الجميع: الحاجة لدولة مدنية تحقق الامن والامان للانسان بغض النظر عن انتمائه الفكري او الحزبي او الديني او المذهبي.
فهل يتحقق مثل هذا المطلب المتواضع ام اننا سنكون امام سنوات عجاف اخرى تحتاج لثورات جديدة؟